الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }

{ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ } أي: خاضعات لله بالطاعة { مُّؤْمِنَاتٍ } أي: مصدقات بالله ورسوله: { قَانِتَاتٍ } أي: مطيعات لما يؤمرن به { تَائِبَاتٍ } أي: من الذنوب لا يصررن عليها { عَابِدَاتٍ } أي: متعبدات لله، كأن العبادة امتزجت بقلوبهن، حتى صارت ملكة لهن { سَائِحَاتٍ } قيل: معناه صائمات - وسننبه على ما فيه - { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }

اعلم أن في توصيف المبدلات بهذه الصفات، تعريضاً بوجوب اتصاف الأزواج بها، لا سيما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

تنبيه

ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد من { سَائِحَاتٍ } صائمات أو مهاجرات. وقد قدمنا في سورة التوبة في تفسير:ٱلسَّائِحُونَ } [التوبة: 112] أن الحق فيه هو المعنى الحقيقي، لعدم ما يمنع منه، ولا يصار إلى المجاز إلا لمانع؛ ولذا قال بعض المحققين: إنه يستفاد من هذه الآية مشروعية السياحة للنساء، كما هي كذلك للرجال، فمعنى قوله تعالى: { سَائِحَاتٍ } مسافرات، سواء كان السفر لهجرة أو اعتبار أو اطلاع على آثار الأمم البائدة. وقد خصصت السنة عموم سفرهن بكونه مع زوج أو محرم لهن؛ حفظاًً لهن.

ثم قال: كأن الذي دعا البعض لتفسير (السائحات) بالصائمات، أو بخصوص المهاجرات، تصوره أن السياحة في البلاد لا تناسب طبيعة النساء المأمورات بالحجاب، وكأنه يفهم من الحجاب أنه الحبس المؤبد، أو كأن الهواء نعمة مخصوصة بغير النساء، أو كأنهن لم يخلقن إلا لسجون البيوت التي ربما تكون أنكى من أعمق سجون الجناة، أو كأنهن لم يخلق لهن من هذه الدنيا الرحيبة سوى بيت واحد؟! وأما قوله تعالى:خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29] فكأنه مخصوص بالرجل، أو كأن الآيات الآمرة بالسير للنظر والعبرة والإحاطة والخبرة، نازلة من السماء ليس للأمة جميعاً، بل للنصف منها، وهو الرجال. وحاشا أن يكون ذلك! أين هديه صلى الله عليه وسلم في سفره مع أزواجه؟ فقد كان يقرع بينهن، فأيتهن خرجت قرعتها خرج بها، وسافرت معه. وقد صار ذلك شريعة معمولاً بها في الدين. وهكذا صح " أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم بصفية أردفها خلفه وهو مع الركب ".

وبالجملة فالسياحة في القرآن الكريم ليست ترمي إلى غاية واحدة، بل إلى عدة غايات وفوائد:

أولاً: إدراك المعقولات، والإحاطة بعظات المسموعات، كما نتعلمه من آية:أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46].

ثانياً: الوقوف على أحوال الأمم البائدة، وما لهم من جليل الآثار الداعية للاعتبار، كما نتعلمه من قول الكتاب الحكيم:أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ }

السابقالتالي
2