الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

والسفهاء جمع سفيه. والسفه - كما يقول الراغب - خفة في البدن، ومنه قيل زمام سفيه أى كثير الأضطراب، وثوب سفيه ردئ النسج، واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، ويكون في الأمور الدنيوية والأخروية، قال - تعالى - في السفه الدنيوي { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } وقال في السفه الأخرويوَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } والمراد من السفهاء هنا ضعاف العقول والأفكار الذين لا يحسنون التصرف. والمراد من قوله { قِيَاماً } ما به القيام والتعيش. يقال فلان قيام أهله أي يقيم شأنهم ويصلهم. وهو المفعول الثانى لجعل. أما المفعول الأول لجعل فمحذوف ويرجع إلى ضمير الأموال. وقرأ نافع وابن عامر { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قيٰماً } على أنه مصدر مثل الحول والعوض. وقرأ ابن عمر { قواما } - بكسر القاف وبواو وألف - قال الآلوسي وفيه وجهان الأول أنه مصدر قاومت قواما مثل لاوذت لواذا فصحت الواو في المصدر كما صحت في الفعل. والثاني أنه اسم لما يقوم به الأمر وليس بمصدر ". هذا، وقد اختلف المفسرون في تعيين المخاطبين بقوله - تعالى - { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } كما اختلفوا في المراد من السفهاء على أقوال أشهرها أن المخاطبين بهذه الآية هم أولياء اليتامى، وأن المراد من السفهاء هم اليتامى الذين لم يحسنوا التصرف في أموالهم لصغرهم أو لضعف عقولهم، واضطراب أفكارهم. وأن المراد بالأموال فى قوله { أَمْوَالَكُمُ } هي أموال هؤلاء اليتامى لا أموال الأولياء. فيكون المقصود من الاية الكريمة نهى الأولياء عن إيتاء السفهاء من اليتامى أموالهم التى جعلها الله مناط تعيشهم، خشية إساءة التصرف فيها لخفة أحلامهم. وإنما أضيفت الأموال فى الآية الكريمة إلى ضمير المخاطبين وهم الأولياء، مع أن هذه الأموال في الحقيقة لليتامى للتنبيه إلى أن أموال اليتامى كأنها عين أموالهم، مبالغة فى حملهم على وجوب حفظها وصيانتها من أى إتلاف أو إضرار بها. قال الفخر الرازى ما ملخصه والدليل على أن الخطاب فى الآية الكريمة للأولياء قوله - تعالى - بعد ذلك { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } وأيضا فعلى هذا القول يحسن تعليق هذه الآية بما قبلها فكأنه - تعالى - يقول إنى وإن كنت أمرتكم بإيتاء اليتامى أموالهم. فإنما قلت ذلك إذا كانوا عاقلين بالغين متمكنين من حفظ أموالهم، فأما إذا كانوا غير بالغين أو غير عقلاء، أو إن كانوا بالغين عقلاء إلا أنهم كانوا سفهاء مسرفين، فلا تدفعوا إليهم أموالهم وأمسكوها لأجلهم إلى أن يزول عنهم السفه. والمقصود من كل ذلك الاحتياط في حفظ أموال الضعفاء والعاجزين ". وقيلإن الخطاب في الآية الكريمة للأباء، والمراد من السفهاء الأولاد الذين لا يستقلون بحفظ المال وإصلاحه، بل إذا أعطى لهم أفسدوه وأتلفوه.

السابقالتالي
2 3