الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }

{ كَيفَ } منصوبٌ بـ { يَفْتَرُونَ } وتقدم الخِلافُ فيه، والجملةُ في محلِّ نَصْبِ، بعد إسقاطِ الخَافِضِ؛ لأنَّها مُعلقةٌ لـ " انظر " يتعدى بـ " في "؛ لأنها - هنا - لَيستْ بَصريَّةً، و " على الله " مُتعلِّقٌ بـ { يَفْتَرُونَ } ، وأجاز أبُو البَقَاءِ: أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ، على أنه حالٌ من الكذبِ، قُدِّمَ عليه، قال: " ولا يجوز أن يتعلق بالكذب؛ لأن معمولَ المصْدَرِ لا يتقدَّمُ عليه، فإن جعل على التَّبيين جَازَ " ، وجوّز ابن عطيةَ: أن يكون " كيف " مُبْتدأ، والجملةُ مِنْ قوله { يَفْتَرُونَ } الخَبَرُ، وهذا فاسِدٌ، لأن " كَيْفَ " لا تُرْفَعُ بالابتداءِ، وعلى تقدير ذلك، فأيْن الرَّابِطُ بينها وبَيْنَ الجملةِ الوَاقِعةِ خبراً عنها ولم تكن نفس المُبْتدأ، حتى تَسْتغْنِي عَنْ رَابِطٍ، و { إِثْماً } تمييزٌ، والضميرُ في " به " عائدٌ على الكذبِ، وقِيلَ: على الافْتِرَاءِ وجعلهُ الزمخشريُّ عَائِداً على زَعمهمْ، يعْنِي: من حَيْثُ التقديرُ.

فصل في تعجيب النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود

هذا تَعْجيبٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ فرْيتهم على الله، وهو تَزْكيتهُم أنْفسَهُمِ وافْتراؤهم، وهو قولهم:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18].

فصل في معنى الكذب

الكَذِبُ: هو الإخْبَارُ عَنِ الشيء على خلافِ المُخبرِ عَنْهُ، سَواءٌ عَلِمَ قَائِلُه كَوْنَهُ كذلك، أوْ لا يَعْلَمُ، وقال الجَاحِظُ: شَرْطُ كَوْنِهِ كَذِباً، أنْ يعلمَ القائِلُ كَوْنَه بِخلافِ ذلكِ، وهذه الآيةُ دليلٌ عليه؛ لأنَّهم كانُوا يَعْتَقدٌون في أنْفسهم الزِّكاءَ، والطَّهَارَةَ: وكذبهم الله فيه.

وقوله: { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } يقالُ في المدْحِ، وفي الذَّمِّ، أمَّا فِي المدْحِ، فكقولهوَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } [النساء: 45] وأمَّا في الذم، فكما في هذا الموضع.