الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

هاتان جملتان مرتبطتان، وأولاهما تمهيد وتوطئة للثانية، وهي معترضة بين التي قبلها والتي بعدها، والثانية منهما معطوفة على جملةوإنه لتذكرة للمتقين } الحاقة 48، فكان تقديم الجملة الأولى على الثانية اهتماماً بتنبيه المكذبين إلى حالهم وكانت أيضاً بمنزلة التتميم لِجملةوإنه لتذكرة للمتقين } الحاقة 48. والمعنى إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون له وبه، وعلمنا بذلك لم يصرفنا عن توجيه التذكير إليكم وإعادتِه عليكمليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَ عن بينة } الأنفال 42، فقوبلت صفة القرآن التي تنفع المتقين بصفته التي تُضر بالكافرين على طريقة التضاد، فبين الجملتين المتعاطفتين مُحسّن الطباق. والحَسرة الندَم الشديد المتكرر على شيء فائت مرغوب فيه، ويقال لها التلهف، اشتقت من الحَسْر وهو الكشف لأن سببها ينكشف لصاحبها بعد فوات إدراكه ولا يزال يعاوده، فالقرآن حسرة على الكافرين أي سبب حسرة عليهم في الدنيا والآخرة، فهو حسرة عليهم في الدنيا لأنه فَضح تُرَّهَاتِهم ونقض عماد دينهم الباطل وكشف حقارة أصنامهم، وهو حسرة عليهم في الآخرة لأنهم يجدون مخالفته سبب عذابهم، ويقفون على اليقين بأن ما كان يدعوهم إليه هو سبب النجاح لو اتبعوه لا سيما وقد رأوا حسن عاقبة الذين صدّقوا به. والمكذبون هم الكافرون. وإنما عدل عن الإتيان بضميرهم إلى الاسم الظاهر لأن الحسرة تعم المكذبين يومئذٍ والذين سيكفرون به من بعد.