الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

{ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً } أي: مما زينه لهم الشيطان. واللهو: كل ما صدّ عن الحق. واللعب: كل أمر باطل. أي: ليس دينهم في الحقيقة إلا ذلك، إذ هو دأبهم وديدنهم { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } بزخارفها العاجلة، فلم يعملوا للآخرة { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } أي: نتركهم ترك المنسيّ، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة { كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } أي: كما فعلو بلقائه، فعل الناسين، فلم يُخطروه ببالهم، ولم يهتموا به.

لطيفة

قال الشهاب: { نَنْسَاهُمْ } تمثيل، شبّه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتد به، ويلتفت إليه، فينسى؛ لأن النسيان لا يجوز على الله تعالى، أي لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء، كما قال:فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [طه: 52]، والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثيراً في لسان العرب. ويصح هنا أيضاً، فيكون استعارة تحقيقية، أو مجازاً مرسلاً؛ وكذا نسيانهم لقاء الله أيضاً، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم، وقلة مبالاتهم - بحال من عرف شيئاً، ثم نسيه. وليست الكاف للتشبيه، بل للتعليل، ولا مانع من التشبيه أيضاً - انتهى.

وقوله تعالى: { وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } أي: وكما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى. روى الترمذي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتَرْبَع، فكنت تظن أنك ملاقيّ يومك هذا؟ " قال " فيقول: لا! فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني " ".

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: " فيلقى العبد ربه، فيقول: أي فلْ! ألم أكرمك وأسوّدك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب! فيقول: أظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول: لا! فيقول: إني أنساك كما نسيتني ".

ولما أخبر تعالى عن خسارتهم في الآخرة ذكر أنه أزاح عللهم في الدنيا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فقال سبحانه:

{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً... }.