الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }

التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة - أن الله يقول ما أشهدت إبليس وجنوده أي ما أحضرتهم خلق السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقها ولا خلق أنفسهم، أي ولا أشهدتهم خلق أنفسهم، أي ما أشهدت بعضهم خلق بعضهم فأستعين به على خلقه، بل تفردت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير! فكيف تصرفون لهم حقي وتتخذونهم أولياء من دوني وأنا خالق كل شيء!؟ وهذا المعنى الذي أشارت له الآية من أن الخالق هو المعبود وحده - جاء مبيناً في آيات كثيرة، وقد قدمنا كثيراً منها في مواضع متعددة، كقولهأَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } النحل 17، وقولهأَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } الرعد 16، وقولههَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } لقمان 11، وقوله تعالىقُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } فاطر 40 الآية، وقوله تعالىقُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } الأحقاف 4 الآية، إلى غير ذلك من الآيات كما قدمناه مراراً. وقال بعض العلماء { وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } أي ما أشهدتهم خلق أنفسهم بل خلقتهم على ما أردت وكيف شئت. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } الكهف 51 فيه الإظهار في محل الإضمار، لأن الأصل الظاهر. وما كنت متخذهم عضداً، كقوله { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ } والنكتة البلاغية في الإظهار في محل الإضمار في ذمه تعالى لهم بلفظ الإضلال. وقوله " عَضُداً " أي أعواناً. وفي هذه الآية الكريمة - التنبيه على أن الضالين المضلين لا تنبغي الاستعانة بهم، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. والمعنى المذكور أشير له في مواضع أخر كقوله تعالىقَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } القصص 17 والظهير المعين. والمضلون الذين يضلون أتباعهم عن طريق الحق. وقد قدمنا معنى الضلال وإطلاقاته في القرآن بشواهده العربية.