الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ }

يقول الحق جل جلاله: { قل } لهم يا محمد: { لن يصيبنا } من حسنة أو مصيبة، { إلا ما كتبَ اللهُ لنا } في اللوح الحفوظ، لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم، { هو مولانا } متولي أمرنا وناصرنا، { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي: وإليه فليفوض المؤمنون أمورهم رضاَ بتدبيره لأن مقتضى الإيمان ألا يتوكل إلا على الله إذ لا فاعل سواه، { قل } لهم: { هل تربّصُون } أي: تنتظرون { بنا إحدى الحُسنيين } أي: إلا إحدى العاقبتين اللتين كل منهما حسنى: إما النصر وإما الشهادة، { ونحنُ نتربصُ بكم } أيضاً إحدى العاقبتين السُوأتين: إما { أن يصيبَكم اللَّهُ بعذابٍ من عنده } بقارعة من السماء، { أو بأيدينا } أي: أو بعذاب بأيدينا، وهو القتل على الكفر، { فتربصُوا } ما هو عاقبتنا، { إنا معكم مُتَربِّصون } ما هو عاقبتكم. الإشارة: ثلاثة أمور توجب للعبد الراحة من التعب، والسكون إلى رب الأرباب، وتذهب عنه حرارة التدبير والاختبار، وظلمة الأكدار والأغيار: أحدها: تحقيق العلم بسبقية القضاء والقدر، حتى يتحقق بأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، قال تعالى: { قل لن يصينا إلا ما كتب الله لنا } ، { وَإن يمْسسْك اللَّهُ بضُرِّ فَلا كَاشِفَ له إلاَّ هُوَ } ، وليتأمل قول الشاعر:
مَا لا َيُقَدِّرُ لا يَكُون بِحيلَةٍ أَبَداً، وَمَا هُو كَائِنٌ سَيَكُونُ سَيَكُونُ مَا هُوَ كَائِنٌ في وَقْتِهِ وأخُو الجَهالَةِ مُتْعَبٌ مَخْزُون   
وقد ورد عن سيدنا علي ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال: سبع آيات: من قرأها أو حملها معه لو انطبقت السماء على الأرض لجعل الله له فرجاً ومخرجاً من أمره، فذكر هذه الآية: { قل لن يصيبنا } ، وآية في سورة يونس:وَإِن يَمسَسْك اللَّهُ بِضُرٍ... } [يونس: 107] الآية، وآيتان في سورة هود:وَما مِن دآبَّةٍ... } [هود: 6]، الآية،إنّي تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ رَبَي وَرَبّكُم... } [هود: 56]، الآية، وقوله تعالى:وكأَيَّن مّنِ دَآبَّةٍ لاَّ تَحمِلُ رِزقُها اللَّهُ يرزُقُها وَإِيَّاكمُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } [العنكبوت: 60]،مَّا يَفتَحِ اللَّهُ للِنَّاسِ مِن رَّحمَةٍ فَلاَ مُمسكَ لَهَا وَمَا يَمسِك فَلاَ مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكيمُ } [فاطر: 2]، وولَئن سَأَلتَهُم } .. في الزمر إلى قولهعَلَيهِ يَتَوكَّلُ المُتَوَكِلُون } [الزمر: 38]، ونظمها بعضهم فقال:
عليك بقل وإن، وما، إني، في هود وكأين، مَا يفتحْ، ولئن مكملا   
وإنما أشار رضي الله عنه إلى معنى الآيات لا إلى لفظها لأنها كلها تدل على النظر لسابق القدر، والتوكل على الواحد القهار. الأمر الثاني: تحقق العبد برأفته ـ تعالى ـ ورحمته، وأنه لا يفعل به إلا ما هو في غاية الكمال في حقه، إن كان جمالاً فيقتضي منه الشكر، وإن كان جلالاً فيقتضي منه الصبر، وفيه غاية التقريب والتطهير وطي المسافة بينك وبين الحبيب.

السابقالتالي
2