الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

وهذه الآية هي مِسْك الختام لسورة إبراهيم، ذلك أنها ركَّزَتْ الدعوة بلاغاً صدر عن الله ليبلغه لرسوله الذي أُيِّد بالمعجزة لِيحمِلَ منهج الحياة للإنسان الخليفة في الأرض. وإذا ما صدرتْ قوانينُ حركة الحياة للإنسان الخليفة في الأرض المخلوق لله، وجب ألاَّ يتزيَّد عليها أحدٌ بإكمال ولا بإتمام لأن الذي خلق هو الذي شرَّع، وهذه مسألة يجب أن تكون على ذِكْر من بَالِ كل إنسان مُكلَّف. وحين تقرأ هذا القَوْل الحكيم: { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ.. } [إبراهيم: 52]. تجد أنه يحمل إشارة إلى القرآن كله ذلك أن حدود البلاغ هو كل شيء نزل من عند الله. وقول الحق سبحانه: { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ.. } [إبراهيم: 52]. قد أعطانا ما يعطيه النص القانوني الحديث، ذلك أن النصَّ القانوني الحديث يوضح أنه لا عقوبةَ إلا بنصٍّ يُجرِّم الفعل، ولا بُدَّ من إعلان النصِّ لكافَّة الناس ولذلك تُنشَر القوانين في الجريدة الرسمية للدولة، كي لا يقولَ أحد: أنا أجهل صدور القانون. وكلنا يعلم أن الحق سبحانه قد قال:وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]. فمهمة الرسول - إذنْ - هي البلاغ عن الله لمنهج الحياة الذي يصون حركة الحياة. ويقول سبحانه عن مهمة الرسول:فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [الرعد: 40]. ويقول سبحانه:ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ.. } [الأحزاب: 39]. ويقول الحق سبحانه على لسان الرسول:لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي.. } [الأعراف: 93]. ويقول أيضاً:أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ.. } [هود: 57]. وهكذا لا توجد حُجّة لقائل: إني أُخِذْتُ بذنب لم أعرف أنه ذنبٌ وقْتَ التكليف. لا حُجّة لقائلِ هذا القول لأن الحق سبحانه يقول في نفس الآية: { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ.. } [إبراهيم: 52]. والإنذار: تخويف بشرٍّ سوف يقع من قبل زمنه، ليوضح لك بشاعة المخالفة، وكذلك التبشير هو تنبيه لخير قادم لم يَأتِ أوانه كي تستعدّ لاستقباله. وقَوْل الحق سبحانه: { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ.. } [إبراهيم: 52]. يتضمن البشارة أيضاً ولكنه يرتكز ويؤكد من بعد ذلك في قوله: { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ.. } [إبراهيم: 52]. لأن الخيبة ستقع على مرتكب الذنوب. وأقول: إن الإنذار هنا هو نعمة لأنه يُذكِّر الإنسان فلا يُقدِم على ارتكاب الذنب أو المعصية، فساعةَ تُقدم للإنسان مغبة العمل السيء فكأنك تُقدم إليه نعمة، وتُسدي إليه جميلاً ومعروفاً. ويتابع سبحانه: { وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [إبراهيم: 52]. وهذه هي القضية العقدية الأولى، والتي تأتي في قِمّة كل القضايا فهو إله واحد نصدر جميعاً عن أمره لأن الأمر الهام في هذه الحياة أن تتضافر حركة الأحياء وتتساند لا أن تتعاند. ولا يرتقي بنيان، ما إذا كنتَ أنت تبني يوماً ليأتي غيرك فيهدم ما بنيتَ.

السابقالتالي
2 3