الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

الجزء الثالث عشر من الاجزاء الثلاثين { وما ابرئ نفسى } من كلام يوسف عليه السلام اى لا انزهها عن السوء ولا اشهد لها بالبراءة الكلية قاله تواضعا لله تعالى وهضما لنفسه الكريمة لا تزكية لها وعجبا بحالة فى الامانة ومن هذا القبيل قوله عليه السلام " انا سيد ولد آدم ولا فخر لى " او تحديثا بنعمة الله تعالى عليه فى توفيقه وعصمته اى لا انزهها عن السوء من حيث هى هى ولا اسند هذه الفضيلة اليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله تعالى { ان النفس } اللام للجنس اى جميع النفوس التى من جملتها نفسى فى حد ذاتها { لامارة بالسوء } تأمر القبائح والمعاصى لانها اشد استلذاذا بالباطل والشهوات واميل الى انواع المنكرات ولولا ذلك لما صارت نفوس اكثر الخلق مسخرة لشهواتهم فى استنباط الحيل لقضاء الشهوة وما صدرت منها الشرور اكثر ومن ههنا وجب القول بان كل من كان اوفر عقلا واجل قدرا عند الله كان ابصر بعيوب نفسه ومن كان ابصر بعيوبها كان اعظم اتهاما لنفسه واقل اعجابا { الا ما رحم ربى } من النفوس التى يعصمها من الوقوع فى المهالك ومن جملتها نفسى ونفوس سائر الانبياء ونفوس الملائكة اما الملائكة فانه لم تركب فيهم الشهوة واما الانبياء فهم وان ركبت هى فيهم لكنهم محفوظون بتأييد الله تعالى معصومون فما موصولة بمعنى من. وفيه اشارة الى ان النفس من حيث كالبهائم والاستثناء من النفس او من الضمير المستتر فى امارة كأنه قيل ان النفس لامارة بالسوء الا نفسا رحمها ربى فانها لا تأمر بالسوء او بمعنى الوقت اى هى امارة بالسوء فى كل وقت الا وقت رحمة ربى وعصمته لها ودل على عموم الاوقات صيغة المبالغة فى امارة يقال فى اللغة امرت النفس بشيء فهى آمرة واذا اكثرت الامر فهى امارة { ان ربى غفور } عظيم المغفرة لما يعترى النفوس بموجب طباعها { رحيم } مبالغ فى الرحمة لها بعصمتها من الجريان بمقتضى ذلك. قال فى التأويلات النجمية خلقت النفس على جبلة الامارية بالسوء طبعا حين خليت الى طبعها لا يأتى منها الا الشر ولا تأمر بالسوء ولكن اذا رحمها ربها ونظر اليها بنظر العناية يقلبها من طبعها ويبدل صفاتها ويجعل اماريتها مبدلة بالمأمورية وشريرتها بالخيرية فاذا تنفس صبح الهداية فى ليلة البشرية واضاء افق سماء القلب صارت النفس لوامة تلوم نفسها على سوء فعلتها وندمت على ما صدر عنها من الامارية بالسوء فيتوب الله عليها فان الندم توبة واذا طلعت شمس العناية من افق الهداية صارت النفس ملهمة اذ هى تنورت بانوار شمس العناية فالهمها نورها فجورها وتقواها واذا بلغت شمس العناية وسط سماء الهداية واشرقت الارض بنور ربها صارت النفس مطمئنة مستعدة لخطاب ربها بحذبة ارجعى الى ربك راضية مرضية انتهى.

السابقالتالي
2 3