الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

{ صِرٰطِ ٱللَّهِ } بدل من الأول وإضافته إلى الاسم الجليل ثم وصفه بقوله تعالى: { ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ } لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى خلفاً وملكاً وتصرفاً مما يوجب ذلك أتم إيجاب.

{ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } أي أمور من فيهما قاطبة لا إلى غيره تعالى وذلك بارتفاع الوسائط يوم القيامة ففيه من الوعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم والوعيد للضالين عنه ما لا يخفى. وصيغة المضارع على ما قررنا على ظاهرها من الاستقبال، وقال في «البحر»: المراد بها الاستمرار كما في زيد يعطي أي من شأنه ذلك، والأول أظهر والله تعالى أعلم.

ومما قاله أرباب الإشارات في بعض الآيات: قال سبحانه:لّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } [الشورى: 7] قيل يشير ذلك إلى إنذار نفسه الشريفة لأنها أم قرى نفوس آدم وأولاده لأنه صلى الله عليه وسلم أول العالمين خلقاً ومنه عليه الصلاة والسلام نشأت الأرواح والنفوس ومن هذا كان آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، وقد أشار إلى ذلك سلطان العاشقين عمر بن الفارض بقوله على لسان الحقيقة المحمدية:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة   فلي منه معنى شاهد بأبوتي
وقوله سبحانه: { وَمَنْ حَوْلَهَا } يشير إلى نفوس أهل العالم وقد أنذر صلى الله عليه وسلم كلاً حسب استعداده، وقيل في قوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11] إنه يشير إلى التنزيه والتشبيه، وقرر ذلك الشيخ الأكبر قدس سره بما يطوللَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الشورى: 12] أي مفاتيح سمٰوات القلوب وفيها خزائن لطفه تعالى ورحمته عز وجل وأرض النفوس وفيها خزائن قهره سبحانه وعزته جل جلاله فكل قلب مخزن لنوع من ألطافه كالمعرفة والمحبة والشوق والتوحيد والهيبة والأنس والرضا إلى غير ذلك، وقد يجتمع في القلب خزائن وكل نفس مخزن لنوع من آثار قهره كالنكرة والجحود والإنكار والشرك والنفاق والحرص والكبر والبخل والشره وغير ذلك، وقد / يجتمع في النفس خزائن، وفائدة الإخبار بأن له سبحانه مقاليد ذلك قطع أفكار العباد عمن سواه سبحانه في جلب ما يريدونه ودفع ما يكرهونهٱللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [الشورى: 13] يشير إلى مقامي المجذوب والسالك فالمجذوب من الخواص اجتباه ربه سبحانه في الأزل وسلكه في مسلك من يحبهم واصطنعه سبحانه لنفسه جل شأنه وجذبه تعالى عن الدارين بجذبة توازي عمل الثقلين فهو في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والسالك من العوام سلكه في سلك من يحبونه بالتوفيق للهداية والقيام على قدمي الجهد والإنابة إلى سبيل الرشاد من طريق العناد

السابقالتالي
2 3 4 5