الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ } أي أشركت وكفرت. { مَا فِي ٱلأَرْضِ } أي ملكاً. { لاَفْتَدَتْ بِهِ } أي من عذاب الله، يعني ولا يقبل منها كما قال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ }. وقد تقدّم. قوله تعالى: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } أي أخفَوْها يعني رؤساءهم، أي أخفوا ندامتهم عن أتباعهم. { لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } وهذا قبل الإحراق بالنار، فإذا وقعوا في النار ألْهتهم النار عن التصنع بدليل قولهم:رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [المؤمنون: 601]. فبيّن أنهم لا يكتمون ما بهم. وقيل: «أسَرُّوا» أظهروا، والكلمة من الأضداد، ويدلّ عليه أن الآخرة ليست دار تجلد وتصبّر. وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم لأن الندامة لا يمكن إظهارها. قال كثير:
فأسررتُ الندامة يوم نادى   بردّ جمال غاضرة المنادي
وذكر المبرّد فيه وجهاً ثالثاً ـ أنه بدت بالندامة أسِرّة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها سِرَار. والندامة: الحسرة لوقوع شيء أو فوت شيء، وأصلها اللزوم ومنه النديم لأنه يلازم المجالس. وفلان نادم سادم. والسَّدَم اللَّهَج بالشيء. ونَدِم وتندّم بالشيء أي اهتمّ به. قال الجوهري: السَّدَم بالتحريك الندم والحزن وقد سَدِم بالكسر أي اهتمّ وحَزِن ورجل نادمٌ سادمٌ، وندمانُ سَدْمان وقيل: هو إتباع. وماله همٌّ ولا سَدَم إلا ذلك. وقيل: الندم مقلوب الدمن، والدَّمْن اللزوم ومنه فلان مدمن الخمر. والدّمْن: ما اجتمع في الدار وتلبّد من الأبوال والأبعار سُمِّيَ به للزومه. والدّمنة: الحقد الملازم للصدر، والجمع دِمَن. وقد دَمِنت قلوبهم بالكسر يقال: دَمِنت على فلان أي ضَغِنت. { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } أي بين الرؤساء والسُّفَّل بالعدل. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }.