الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

وفيه مباحث: الأول: في الترتيب وأنه في غاية الحسن لأنه في أول الأمر بين المسكن وهو الجنة، ثم بين ما يتنزه به فإن من يدخل بستاناً يتفرج أولاً فقال:ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فِيهِمَا عَيْنَانِ } [الرحمٰن: 48 - 50] ثم ذكر ما يتناول من المأكول فقال:فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ } [الرحمٰن: 52] ثم ذكر موضع الراحة بعد التناول وهو الفراش، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه. الثاني: { فِيهِنَّ } الضمير عائد إلى ماذا؟ نقول: فيه ثلاثة أوجه أحدها: إلى الآلاء والنعم أي قاصرات الطرف ثانيها: إلى الفراش أي في الفرش قاصرات وهما ضعيفان، أما الأول فلأن اختصاص القاصرات بكونهن في الآلاء مع أن الجنتين في الآلاء والعينين فيهما والفواكه كذلك لا يبقى له فائدة، وأما الثاني فلأن الفرش جعلها ظرفهم حيث قال:مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ } [الرحمٰن: 54] وأعاد الضمير إليها بقوله:بَطَائِنُهَا } [الرحمٰن: 54] ولم يقل: بطائنهن، فقوله { فِيهِنَّ } يكون تفسيراً للضمير فيحتاج إلى بيان فائدة لأنه تعالى قال بعد هذا مرة أخرى:فِيهِنَّ خَيْرٰتٌ } [الرحمٰن: 70] ولم يكن هناك ذكر الفرش فالأصح إذن هو الوجه الثالث: وهو أن الضمير عائد إلى الجنتين، وجمع الضمير ههنا وثنى في قوله:فِيهِمَا عَيْنَانِ } [الرحمٰن: 50] و:فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ } [الرحمٰن: 52] وذلك لأنا بينا أن الجنة لها اعتبارات ثلاثة أحدها: اتصال أشجارها وعدم وقوع الفيافي والمهامة فيها والأراضي الغامرة، ومن هذا الوجه كأنها جنة واحدة لا يفصلها فاصل وثانيها: اشتمالها على النوعين الحاصرين للخيرات، فإن فيها ما في الدنيا، وما ليس في الدنيا وفيها ما يعرف، ومالا يعرف، وفيها ما يقدر على وصفه، وفيها مالا يقدر، وفيها لذات جسمانية ولذات غير جسمانية فلاشتمالها على النوعين كأنها جنتان وثالثها: لسعتها وكثرة أشجارها وأماكنها وأنهارها ومساكنها كأنها جنات، فهي من وجه جنة واحدة ومن وجه جنتان ومن وجه جنات. إذا ثبت هذا فنقول: اجتماع النسوان للمعاشرة مع الأزواج والمباشرة في الفراش في موضع واحد في الدنيا لا يمكن، وذلك لضيق المكان، أو عدم الإمكان أو دليل ذلة النسوان، فإن الرجل الواحد لا يجمع بين النساء في بيت إلا إذا كن جواري غير ملتفت إليهن، فأما إذا كانت كل واحدة كبيرة النفس كثيرة المال فلا يجمع بينهن، واعلم أن الشهوة في الدنيا كما تزداد بالحسن الذي في الأزواج تزداد بسبب العظمة وأحوال الناس في أكثر الأمر تدل عليه، إذا ثبت هذا فنقول: الحظايا في الجنة يجتمع فيهن حسن الصورة والجمال والعز والشرف والكمال، فتكون الواحدة لها كذا وكذا من الجواري والغلمان فتزداد اللذة بسبب كمالها، فإذن ينبغي أن يكون لكل واحدة ما يليق بها من المكان الواسع فتصير الجنة التي هي واحدة من حيث الاتصال كثيرة من حيث تفرق المساكن فيها فقال: { فِيهِنَّ } وأما الدنيا فليس فيها تفرق المساكن دليلاً للعظمة واللذة فقال

السابقالتالي
2 3