الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }.

اعلمْ أنَّ الوعْدَ والوعِيدَ مُتلازِمَانِ في الذِّكْرِ غَالِباً، فإنَّ عَادَة القرآنِ إذا ذَكَرَ الوعِيدَ أنْ يذكر مَعَهُ الوَعْدَ.

قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ:

أظهرُهَا: أنه مبتدأٌ، وخبرُهُ { سَنُدْخِلُهُمْ }.

والثاني: أنَّه في مَحلِّ نَصْبٍ؛ عَطْفاً على اسْمِ " إنَّ " وهُوَ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، والخَبَرُ أيْضاً: { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ } ويصيرُ هذا نَظِير قولِكَ: إنَّ زَيْدَاً قَائِمٌ وعمراً قَاعِدٌ، فعطفتَ المنصُوبَ على المنصُوبِ، والمرفوعَ على المرفوعِ.

والثالثُ: أنْ يكونَ في محلِّ رَفْع؛ عطفاً على مَوْضِعِ اسْم " إنَّ "؛ لأن مَحَلَّهُ الرفعُ، قالهُ أبُو البَقَاءِ؛ وفيه نَظَرٌ، مِنْ حَيْثُ الصناعةِ اللَّفْظِيَّةِ، حَيْثُ يُقالُ: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ عطفاً على { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، وأتى بجملةِ الوعيدِ مُؤكِّدةً بـ " إن "؛ تنبيهاً على شِدَّةِ ذلك، وبجملةِ الوَعْدِ حَاليَّةً مِنْه؛ لتحققها وأنه لا إنْكَارَ لذلك، وأتَى فيها بحرفِ التَّنْفِيسِ القَريبِ المدَّة تنبيهاً على قُرْبِ الوَعْدِ.

فصل في أن الإيمان غير العمل

دلت هذه الآيةُ، على أنَّ الإيمانَ غيرُ العَمَلِ؛ لأنه تعالى عَطَفَ العملَ على الإيمانِ، والمعطوفُ مُغَايِرٌ لِلْمَعطُوفِ عليه.

قال القَاضِي: مَتَى ذُكِرَ لفظُ الإيمانِ وَحْدَه، دخل فيه العَمَلُ، ومَتى ذُكِرَ مَعَهُ العَمَلُ، كان الإيمانُ هو التَّصْديقَ، وهذا بعيدٌ، لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الاشتراك، وعدمُ التغييرِ ولوْلاَ أنَّ الأمْرَ كذلك، لخرج القرآنُ عن كونِهِ مُفيداً، فلَعَلَّ هذه الألفاظَ التي تَسْمَعُها في القرآنِ، يَكُون لِكُلِّ وَاحدٍ منها مَعْنَى سِوَى ما نَعْلَمُ، ويكونُ مرادُ اللَّه [تعالى] ذلِكَ المعْنَى.

قوله: " سندخلهم " قَرَأ النَّخعِيُّ: سَيْدخلُهم، وكذلك: " ويدخلهم ظلاً " بِيَاءِ الغَيْبَةِ؛ رَدَّا على قوله: { إن الله كان عزيزاً } ، والجمهورُ بالنون رَدَّاً على قوله: " سوف نصليهم " ، وتقدَّم الكلامُ على قوله: { جنات تجري من تحتها الأنهار }.

وقوله: { خَالِدِينَ } يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ:

أحدُهَا: أنه حالٌ من الضمير المنصُوبِ في { سَنُدْخِلُهُمْ }.

والثَّاني: وأجازَهُ أبُو البَقَاءِ: أنْ يكونَ حالاً من { جَنَّاتٍ }.

[قال: لأن فيها ضَميراً لكُلِّ واحدٍ منهما، يَعْنِي: أنه يجوزُ أنْ يكونُ حالاً من] مفعول { سَنُدْخِلُهُمْ } كما تقدَّمَ، أوْ " من جنات "؛ لأنَّ في الحَالِ ضميريْنِ:

أحدُهُمَا: المستَتِرُ في { خَالِدِينَ } العائِدُ على { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ }.

والآخر: مَجْرُورٌ بـ " في " العائِدِ على { جَنَّاتٍ } فصح أنْ يُجْعَلَ حالاً مِنْ كُلٍّ واحدٍ؛ لوجودِ الرَّابِطِ، وهو الضميرُ، وهذا الذي قالُ فيه نظرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أحدُهُمَا: أنه يَصِيرُ المعنى: أنَّ الجناتِ خالداتٍ في أنفُسِهَا؛ لأنَّ الضَّميرَ في فيها عائذٌ عليْهَا. فكأنه قِيلَ: جناتٍ خَالِدَاتٍ في الجنَّاتِ أنفُسِهَا.

والثَّاني: أنَّ هذا الجمعَ شَرْطُهُ العَقْلُ، ولد أُرِيد ذلك، لقيل: خَالِدَاتٍ.

السابقالتالي
2