الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }

اعلم انه سبحانه لما شرح بعض أحوال الكفار وشرح وعيده عاد إلى ذكر التكاليف مرة أخرى، وأيضا لما حكى عن أهل الكتاب أنهم كتموا الحق حيث قالوا للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات، أو من باب الدنيا والمعاملات، وأيضا لما ذكر في الآية السابقة الثواب العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكان من أجل الأعمال الصالحة الأمانة لا جرم أمر بها في هذه الآية. وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة بن عبد الدار- وكان سادن الكعبة -باب الكعبة، وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح اليه، وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه، فلوى علي بين أبي طالب رضي الله عنه يده وأخذه منه وفتح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت هذه الآية، فأمر علياً أن يرده إلى عثمان ويعتذر اليه، فقال عثمان لعلي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهبط جبريل عليه السلام وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن السدانة في أولاد عثمان أبدا. فهذا قول سعيد بن المسيب ومحمد بن اسحق. وقال أبو روق: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان: أعطني المفتاح فقال: هاك بأمانة الله، فلما أراد أن يتناوله ضم يده، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك مرة ثانية: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فأعطني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله، فلما أراد أن يتناوله ضم يده، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك مرة ثالثة، فقال عثمان في الثالثة: هاك بامانة الله ودفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يطوف ومعه المفتاح وأراد أن يدفعه إلى العباس، ثم قال: يا عثمان خذ المفتاح على أن للعباس نصيبا معك، فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان: " هاك خالدة تالدة لا ينزعها منك إلا ظالم " ثم إن عثمان هاجر ودفع المفتاح إلى أخيه شيبة فهو في ولده اليوم. المسألة الثانية: اعلم أن نزول هذه الآية عند هذه القصة لا يوجب كونها مخصوصة بهذه القضية، بل يدخل فيه جميع أنواع الأمانات، واعلم أن معاملة الإنسان إما أن تكون مع ربه أو مع سائر العباد، أو مع نفسه، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة.

السابقالتالي
2 3 4 5