الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } * { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } * { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } * { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } * { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } * { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } * { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ }

قوله تعالى: { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } قال ٱبن جُرَيج ومحمد بن كعب: يريد أن محمداً صلى الله عليه وسلم نذير بالحق الذي أنذر به الأنبياء قبله، فإن أطعتموه أفلحتم، وإلاّ حلّ بكم ما حلّ بمكذّبي الرسل السالفة. وقال قتادة: يريد القرآن، وأنه نذير بما أَنذرت به الكتب الأولى. وقيل: أي هذا الذي أخبرنا به من أخبار الأمم الماضية الذين هلكوا تخويف لهذه الأمة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك من النذر أي مثل النذر والنذر في قول العرب بمعنى الإنذار كالنُّكُر بمعنى الإنكار أي هذا إنذار لكم. وقال أبو مالك: هذا الذي أنذرتكم به من وقائع الأمم الخالية هو في صحف إبراهيم وموسى. وقال السديّ أخبرني أبو صالح قال: هذه الحروف التي ذكر الله تعالى من قوله تعالى: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ } إلى قوله: { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } كل هذه في صحف إبراهيم وموسى. قوله تعالى: { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } أي قربت الساعة ودنت القيامة. وسماها آزفة لقرب قيامها عنده كما قال:يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } [المعارج:6] وقيل: سماها آزفة لدنوّها من الناس وقربها منهم ليستعدّوا لها لأن كل ما هو آت قريب. قال:
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غيرَ أنّ رِكَابَنَا   لمَّا تَزَلْ بِرِحالنا وكأَنْ قَدِ
وفي الصحاح: أَزِف الترحل يَأْزَف أَزَفاً أي دنا وأَفِد ومنه قوله تعالى: { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } يعني القيامة، وأزِف الرجل أي مَجِل فهو آزِف على فاعل، والمتآزِف القصير وهو المتداني. قال أبو زيد: قلت لأعرابي ما الْمُحْبَنْطِىءُ؟ قال: المتَكَأْكِىءُ. قلت: ما الْمُتَكأْكِىُء؟ قال: المتآزِف. قلت: ما المتآزف؟ قال: أنت أحمق وتركني وَمَّر. { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } أي ليس لها من دون الله من يؤخرها أو يقدّمها. وقيل: كاشفة أي ٱنكشاف أي لا يكشف عنها ولا يبديها إلا الله فالكاشفة ٱسم بمعنى المصدر والهاء فيه كالهاءِ في العاقبة والعافية والداهية والباقية كقولهم: ما لفلان من باقية أي من بقاء. وقيل: أي لا أحد يردّ ذلك أي إن القيامة إذا قامت لا يكشفها أحد من آلهتهم ولا ينجيهم غير الله تعالى. وقد سميت القيامة غاشية، فإذا كانت غاشية كان ردّها كشفاً، فالكاشفة على هذا نعت مؤنث محذوف أي نفس كاشفة أو فرقة كاشفة أو حال كاشفة. وقيل: إِن «كاشِفة» بمعنى كاشف والهاء للمبالغة مثل راوية وداهية. قوله تعالى: { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني القرآن. وهذا ٱستفهام توبيخ { تَعْجَبُونَ } تكذيباً به { وَتَضْحَكُونَ } استهزَاء { وَلاَ تَبْكُونَ } ٱنزجاراً وخوفاً من الوعيد. وروي: " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما رؤي بعد نزول هذه الآية ضاحكاً إلا تبسُّماً " وقال أبو هريرة: لما نزلت { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } قال أهل الصفة:

السابقالتالي
2 3