الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

{ قُلْ } تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر الناس بأن يغتنموا ما في القرآن العظيم من الفضل والرحمة أي قل لهم { بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } متعلق بمحذوف، وأصل الكلام ليفرحوا بفضل الله تعالى وبرحمته ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة اختصاصه بالمجرور ثم أدخل عليه الفاء لإفادة معنى السببية فصار بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ثم جىء بقوله سبحانه: { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } للتأكيد والتقرير ثم حذف الفعل الأول لدلالة الثاني عليه، والفاء الأولى قيل جزائية والثانية زائدة للتأكيد، والأصل إن فرحوا بشيء فبذلك ليفرحوا لا بشيء آخر ثم زيدت الفاء لما ذكر ثم حذف الشرط، وقيل: إن الأولى هي الزائدة لأن جواب الشرط في الحقيقة فليفرحوا ـ وبذلك ـ مقدم من تأخير لما أشير إليه، وزيدت فيه الفاء للتحسين، ولذلك جوز أن يكون بدلاً من قوله سبحانه: { بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } وحينئذٍ لا يحتاج إلى القول بحذف متعلقه ونظير ذلك في الاختلاف في تعيين الزائد فيه قول النمر بن تولب:
لا تجزعي إن منفساً أهلكته   فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
ومن غريب العربية ما أشار إليه بعضهم أن الآية من باب الاشتغال وقد أقيم اسم الإشارة مقام ضمير المعمول وتوحيده باعتبار ما ذكر ونحوه كما هو شائع فيه، ووجه غرابته أن المعروف في شرط الباب اشتغال العامل بضمير المعمول ولم يذكر أحد من النحاة اشتغاله باسم الإشارة إليه، وجوز أن يقدر متعلق الجار والمجرور فليعتنوا أي بفضل الله ورحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا، والقرينة على تقدير ذلك أن ما يفرح به يكون مما يعتني ويهتم بشأنه، أو تقديم الجار والمجرور على ما قيل، وقال الحلبـي: الدلالة عليه من السباق واضحة وليس شرط الدلالة أن تكون لفظية، فقول أبـي حيان: إن ذلك إضمار لا دليل عليه مما لا وجه له، وأن يقدر جاءتكم بعد { قُلْ } مدلولاً عليه بما قبل أي قل جاءتكم موعظة وشفاء وهدى ورحمة بفضل الله وبرحمته ولا يجوز تعلقه بجاءتكم المذكور لأن { قُلْ } تمنع من ذلك، ـ وذلك ـ على هذا إشارة إلى المصدر المفهوم من / الفعل وهو المجىء أي فبمجىء المذكورات فليفرحوا، وتكرير الباء في { بِرَحْمَتِهِ } على سائر الأوجه للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرح.

والمراد بالفضل والرحمة إما الجنس ويدخل فيه ما في مجىء القرآن من الفضل والرحمة دخولاً أولياً وإما ما في مجيئه من ذلك، ويؤيده ما روي عن مجاهد أن المراد بالفضل والرحمة القرآن. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال " قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله "

السابقالتالي
2 3