الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } جمع (مفتح بكسر الميم، وهو المفتاح) وقرئ (مَفَاتيحُ الغَيْبِ) شبه بالأمور الجليلة التي يستوثق منها بالأقفال، وأثبت لها المفاتح تخييلا.

وقوله تعالى: { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } تأكيد لمضمون ما قبله، وإيذان بأن المراد: الاختصاص من حيث العلم. والمعنى: ما تستعجلونه من العذاب ليس مقدوراً لي، حتى ألزمكم بتعجيله، ولا معلوماً لديّ لأخبركم بوقت نزوله، بل هو مما يختص به تعالى قدرة وعلماً، فينزله حسبما تقتضيه مشيئته، المبنية على الحكم والمصالح - أفاده أبو السعود -.

ثمّ لما بين تعالى علمه بالمغيبات، تأثَّرَهُ بالمشاهدات، على اختلاف أنواعها، وتكثر أفرادها بقوله: { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } من الخلق والعجائب. ثم بالغ في إحاطة علمه بالجزئيات الفائتة للحصر بقوله سبحانه: { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } أي: مكتوب ومحفوظ في العلم الإلهيّ.

تنبيهات

الأول - قال الحاكم: دلّ قوله تعالى: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } على بطلان قول الإمامية: إن الإمام يعلم شيئاً من الغيب. انتهى.

وفي (فتح البيان): في هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليّين وغيرهم من مدّعي الكشف والإلهام، ما ليس من شأنهم، ولا يدخل تحت قدرتهم، ولا يحيط به علمهم. ولقد ابتلي الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة, والأنواع المخذولة, ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهناً أو منجماً فقد كفر بما أنزل على محمد ".

قال ابن مسعود: أوتي نبيكم كل شيء إلا مفاتيح الغيب. قال ابن عباس: إنها الأقدار والأرزاق. وقال الضحاك: خزائن الأرض, وعلم نزول العذاب. وقال عطاء: هو ما غاب عنكم من الثواب والعقاب.

وقيل: هو انقضاء الآجال, وعلم أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أعمالهم. واللفظ أوسع من ذلك.

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى؛ لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله, ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله؛ ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يدري أحد متى يجيء المطر " - أخرجه البخاريّ - وله ألفاظ. وفي رواية: " ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله " انتهى.

الثاني: قرئ (ولا حبةٌ ولا رطبٌ ولا يابسٌ) بالرفع، وفيه وجهان: أن يكون عطفاً على محل (من ورقة) وأن يكون رفعاً على الابتداء، وخبره { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } كقولك: لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار - كذا في الكشاف -.

السابقالتالي
2