الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

في " مَفَاتح " ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه جمع " مِفْتح " بكسر الميم والقَصْر، وهو الآلة التي يُفْتَحُ بها نحو: " مِنْجَل ومَنَاجل ".

والثاني: أنه جمع " مَفتح " بفتح الميم وهو المكان. ويؤيده تَفْسِيرُ ابن عبَّاسٍ: هي خزائن المطر.

قال الفراء: قوله تعالى:مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ } [القصص:76] يعني: خزائنه.

فعلى الأول فقد جعل للغيب [مفاتيح] على الاسْتِعَارةِ؛ لأن المفاتيحَ يُتَوَصَّلُ بها إلى ما في الخزائن المُسْتوثقِ منها بالأغلاقِ والأقفَال.

وعلى الثاني: فالمعنى: وعنده خزائن الغَيْبِ، والمراد منه القُدْرَةُ على كل الممكنات.

والثالث: أنه جمع " مِفْتاح " بكسر الميم والألف، وهو الآلة أيضاً إلاَّ أن هذا فيه ضعفٌ من حيث إنه كان ينبغي أن تُقْلَبَ ألف المفرد ياءً، فيقال: مفاتيح كـ " دنانير " ولكنه قد نقل في جمع " مِصْبَاح " " مَصَابِح " ، وفي جمع " مِحْرَاب " " مَحَارِب " ، وفي جمع " قرقور " " قراقر " ، وهذا كما أتوا بالياء في جمع ما لا مدة في مفرده كقولهم: " دَرَاهيم " و " صَيَارِيف " في جمع " دِرْهَم " و " صَيْرَف " قال: [البسيط]
2187- تَنْفِي يداها الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ   نَفْيَ الدَّراهيمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريفِ
وقالوا: عيَّل وعَيَاييل؛ قال: [الرجز]
2188- فِيهَا عَيَايِيلُ أسُودٌ ونُمُرْ   
الأصل عَيَاييل ونُمور [فزاد في] ذلك ونقص.

وقد قرئ " مفاتيح " بالياء، وهي تؤيد أن " مَفَاتح " جمع " مِفْتَاح " ، وإنما حذفت مدّته.

وجوَّز الوَاحِدِيُّ أن يكون " مَفَاتح " جمع " مَفْتح " بفتح الميم، على أنه مصدر قال بعد كلام حكاه عن أبي إسْحاقَ: فعلى هذا " مفاتح " جمع " المَفْتح " بمعنى الفَتْح كأن المعنى: وعنده فُتُوحُ الغيب، أي: هو يفتح الغَيْبَ على مَنْ يَشَاءُ من عباده. وقال أبو البقاء: " مفاتح " جمع " مفتح " ، والمفتح الخزانَةُ.

فأما ما يفتح به فهو " المِفْتَاحُ " ، وجمعه " مفاتيح " ، وقد قيل: " مفتح " أيضاً انتهى يريد جمع " مَفْتَح " أي: بفتح الميم.

وقد قيل: مفتح، يعني أنها لغة قليلة في الآلة، والكثير فيها المد، وكان ينبغي أن يوضح عبارته فإنها موهمة، ولذلك شرحناها.

فصل

روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلاَّ اللَّهُ. لا يَعْلَمُ ما تفِيضُ الأرْحَامُ أحَدٌ إلاَّ اللَّه، ولا يَعْلمُ ما فِي غدٍ إلاَّ اللَّه، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأتِي المَطَرُ أحَدٌ إلاَّ اللَّه، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلاَّ اللَّه، ولا يَعْلمُ متَى تَقومُ السَّاعةِ إلاَّ اللَّه ".


السابقالتالي
2 3 4 5