قوله تعالى ذكره: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } إلى قوله جلّ ذكره وثناؤه: { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }. قال الحسن: معناه بل القرآن آيات ظاهرات في صدور المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقرأ قتادة: " آية بيّنة " بالتوحيد على معنى بل النبي آية بينة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب. وفي حرف عبد الله " بل هي آيات " أي: بل آيات القرآن آيات بينات. وقال ابن عباس والضحاك وابن جريج: كان الله جلّ ذكره أنزل بشأن محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعل لهم آية فقال: إن آية نبؤته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتاباً ولا يخطه بيمينه. والمعنى: بل العلم بأنه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العالمين من أهل الكتاب. وروي ذلك أيضاً عن قتادة. وهو اختيار الطبري. ثم قال تعالى: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ } أي: ما يجحد نبوة محمد وينكر العلم به إلاّ الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله ونبيه. ثم قال تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ }. أي: وقال المشركون من قريش: هلاّ أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيات من ربّه. وهو قولهم:{ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90] إلى قوله:{ كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [الإسراء: 93]. هذا على قراءة من جمع، ويؤكد الجمع أن بعده: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } فوجب أن يكون السؤال مثل الجواب، ويؤكده أيضاً أن الخط بالتاء. فأما من قرأ آية، معناه: هلاّ أنزل على محمد آية تكون حجة علينا كالناقة لصالح، والمائدة لعيسى، ويؤكد التوحيد إجماعهم على التوحيد في يونس: { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ }. وفي الرعد: { آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ }. ثم قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي: لا يقدر على الإتيان بها إلاّ الله. { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي: أنذركم بأس الله وعذابه مبين لكم إنذاره. ثم قال تعالى ذكره: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي: أوَ لم يكفِ هؤلاء القائلين لولا أنزل عليه آيات من ربه من الآيات والحجج. أنّا أنزلنا عليك الكتاب يقرأ عليهم. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي: إن في هذا الكتاب لرحمة للمؤمنين وذكرى يتذكرون به ويتعظون. ويروى أن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين استحسنوا أشياء من بعض كتاب أهل الكتاب. ثم قال تعالى ذكره: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: قل يا محمد لهم: كفى الله بيننا شهيداً لأنه يعلم المحق من المبطل، ويعلم ما في السماوات والأرض ولا يخفى عليه فيهما شيء.