الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

أعاد العامل في قوله: { وأطيعوا الرسول } ، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يُعده في { أولى الأمر } إشارة إلى أنه يوجد منهم من لا تجب طاعته، ثم بيّنه بقوله: { فإن تنازعتم في شيء } كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم، وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. قال الطيبي، وسيأتي تحريرُ ذلك إن شاء الله تعالى. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله } فيما أمركم به ونهاكم عنه، { وأطيعوا الرسول } كذلك. { وأولي الأمر منكم } أي: مَن ولي أمرَكم. من وُلاَةِ العدل كالخلفاء والأمراء بعدهم، تجب طاعتهم فيما أمَروُا به من الطاعة دون المعصية إلا لخوف هرج، قال عليه الصلاة والسلام: " إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوف " ، فأن لم يعدل: وجبت طاعته خوفًا من الفتنة. وهذا هو الأصح. لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " سَيَليكم ولاة، فيليكم البَرُّ ببره، والفاجر بفجوره، فاستمعوا لهم، وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم " رواه أبو هريرة. وفي حديث آخر: " إلاَّ أن تَروا كُفرًا بَوَاحًا، لكم عليه من اللهِ بُرهَانٌ " أي: فيجب عزلهم. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو وائل فقال: يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا حقنا ويسألون حقهم؟. فقال صلى الله عليه وسلم: " اسمَعُوا وأطِيعُوا، فَإنَّ عليهم ما حُمِّلُوا وَعَليكُم ما حُملتم ". وقال جابر بن عبد الله والحسن والضحاك ومجاهد: أولو الأمر هم الفقهاء والعلماء، أهل الدين والفضل، يُعلَّمون الناس معالم دينهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، دليله. قوله تعالى:وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ... } [النساء:83] الآية. قال أبو الأسود: ليس شيء أعز من العلم، الملوك حُكَّام على الناس، والعلماء حُكَّام على الملوك. هـ. { فإن تنازعتم } أنتم وأولو الأمر، أو بعضكم مع بعض ـ أي: اختلفتم في حكم شيء من أمر الدين فلم تعلموا حكمه، { فردّوه إلى الله } أي: إلى كتاب الله، { و } إلى { الرسول } في زمانه، أو سنته بعد موته، فإن لم يوجد بالنص فبالقياس. فالأحكام ثلاثة: مثبت بالكتاب، ومثبت بالسنة، ومثبت بالرد إليهما على وجه القياس. وعن إبراهيم بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اعملُوا بالقرآن: أحلُّوا حَلاَلهُ، وحرَّمُوا حرامَهُ، وآمنوا بِه ولا تكفُروا بشيءٍ منهُ، وما اشتبه عليكُم فردُّوه إلى الله تعالى وإلى أولي العِلم من بَعدي، كيما يُخبرُونكم به " ، ثم قال: " وليَسعُكُم القرآن وما فيهِ من البَيَانِ فإنه شافعٌ مشفَّعٌ، وما حِلٌ مُصدَّقَّ " ، وأن له بكل حَرفٍ نُورًا يومَ القِيَاَمَة ".

السابقالتالي
2