الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ }

أي: انفصلوا وتفردوا واعتزلوا أيّها المجرمون - من الكافرين والمنافقين - عن المؤمنين الكاملين في العلم واليقين، وكونوا على حِدَة، وذلك حين كشف الغطاء ورَفْع الحجب بالموت، بل عند القيام إلى المحشر عن هذه القبور، ونحوه قوله تعالى:وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } [الروم:14 - 16].

وعن الضحّاك: لكل كافر بيت من النار يدخل فيه فيُرْدَم بابه، لا يَرى ولا يُرى، ومعناه: أن بعضهم يمتاز عن بعض

مكاشفة

قد سبقت الإشارة إلى كون أفراد الإنسان في النشأة الثانية وبحسب الباطن، واقعة تحت أنواع كثيرة حسب اختلاف الصفات والملكات، لأن النفوس الإنسانية - وإن كانت بحسب الفطرة الأولى متشابهة الحقيقة متماثلة الماهية، لكونها صورة فائضة على المركب العنصري من الممتزج الواقع في عرض المزاج النوعي الإنساني -، إلاّ أنها مادة عقلية قابلة لهيئات نفسانية، وصور عقلية تصير بها خارجة من القوة إلى الفعل في أطوار مختلفة.

فالنفوس السَّبُعِيَّة تقبل عقولها الهيولانية هيئات سَبُعِيَّة من الغضب والغلبة والجور والوقاحة والتعالي والتفاخر وغيرها، حتى تصير صورها التي تخرج من القوة إلى الفعل صوراً سَبُعِيَّة، ولكل نفس منها صورة سَبُعِيَّة مخصوصة لنوع من أنواع السِباع الذي يناسبه ويخصه تلك الهيئات التي رسخت في تلك النفس.

وكذا النفوس البهيمية، تقبل عقولها الهيولانية هيئات بهيمية - من الشهوة والحرص ولذة البطن ولذة الفرج والزينة والرعونة وغيرها -، حتى تصير مادة تتكون فيها صورة بهيمية لكل نفس ما يناسبها من تلك الصور.

والنفوس الشيطانية تغلب عليها هيئات إبليسية من الجهل الراسخ، والاستكبار، والمكر والحيلة والجَربزة والوعد بالشر والإيعاد بالخير، وغير ذلك من صفات أهل اللعنة والكفر والطرد، حتى تصير عقولها شياطين بعينها.

وأما النفوس الملكية، فالغالب عليها مزاولة العلوم العقلية، وطلب المعارف الإلهية، ومحبة الحق وملائكة الله المقربين، ومتابعة الرسل والأئمة (عليهم السلام)، والصبر والورع عن محارم الله، والإعراض عن الدنيا، والتجافي عن دار الغرور، وتذكّر الموت والآخرة، حتى تصير من جنس الملائكة المقرّبين لكل نفس بحسب قوة إيمانه وشدة اجتنابه عن اللذات.

فإذا تقرر هذا، ظهر أن كل نفس من النفوس الإنسانية، واقعة يوم القيامة تحت نوع من أنواع تلك الأجناس الأربعة: " السَّبُعِيَّة، والبهيمية، والشيطانية، والملكية " وتحشر معه، فالنفوس البشرية منحصرة يوم الآخرة في أجناس أربعة، لكل جنس أنواع كثيرة، لكل نوع منها أفراد غير محصورة.

وهذه الأجناس الأربعة من النفوس، اثنتان منها عمليّتان شريرتان حاصلتان من تكرر الأعمال السيّئة، واثنتان منها علميتان حاصلتان من تكرر الأفكار العلمية، إحداهما شريرة والأخرى خيّرة.

السابقالتالي
2 3