الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

بين في هذه الآية الكريمة أن القرى الماضية لما ظلمت بتكذيب الرسل والعناد واللجاج في الكفر والمعاصي أهلكهم الله بذنوبهم. وهذا الإجمال في تعيين هذه القرى وأسباب هلاكها، وأنواع الهلاك التي وقعت بها - جاء مفصلاً في آيات أخر كثيرة، كما جاء في القرآن من قصة قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم موسى، كما تقدم بعض تفاصيله. والقرى جمع قرية على غير قياس، لأن جمع التكسير على " فعل " - بضم ففتح - لا ينقاس إلا في جمع " فعلة " - بالضم - اسماً كغرفة وقربة. أو " فعلى " إذا كانت أنثى الأفعل خاصة، كالكبرى والكبر، كما أشار لذلك في الخلاصة بقوله
وفعل جمعاً لفعلة عرف ونحو كبرى..الخ   
أي وأما في غير ذلك فسماع يحفظ ولا يقاس عليه. وزاد في التسهيل نوعاً ثالثاً ينقاس فيه " فعل " بضم ففتح، وهو الفعلة بضمتين إن كان اسماً كجمعة وجمع. واسم الإشارة في قوله { وتلك القرى } إنما أشير به لهم لأنهم يمرون عليها في أسفارهم، كقولهوَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِٱلْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الصافات 137 -138، وقولهوَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } الحجر 76، وقولهوَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } الحجر 79 ونحو ذلك من الآيات. وقوله " وتلك " مبتدأ و " القرى " صفة له. أو عطف بيان. وقوله " أهلكناهم " هو الخبر. ويجوز أن يكون الخبر هو " القرى " وجملة " أهلكناهم " في محل حال، كقولهفَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ } النمل 52. ويجوز أن يكون قوله " وتلك " في محل نصب بفعل محذوف يفسره العامل المشتغل بالضمير، على حد قوله في الخلاصة
إن مضمر اسم سابق فعلا شغل عنه بنصب لفظه أو المحل فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما موافق لما قد أظهرا   
وقوله في هذه الآية الكريمة { ولِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } قرأه عامة السبعة ما عدا عاصماً بضم الميم وفتح اللام على صيغة اسم المفعول. وهو محتمل على هذه القراءة أن يكون مصدراً ميمياً، أي جعلنا لإهلاكهم موعداً. وأن يكون اسم زمان، أي وجعلنا لوقت إهلاكهم موعداً. وقد تقرر في فن الصرف أن كل فعل زاد ماضيه على ثلاثة أحرف مطلقاً فالقياس في مصدره الميمي واسم مكانه واسم زمانه - أن يكون الجميع بصيغة اسم المفعول. والمهلك - بضم الميم - من أهلكه الرباعي. وقرأه حفص عن عاصم " لمهلكهم " بفتح الميم وكسر اللام. وقرأه شعبة عن عاصم " لمهلكهم " بفتح الميم واللام معاً. والظاهر أنه على قراءة حفص اسم زمان، أي وجعلنا لوقت هلاكهم موعداً. لأنه من هلك يهلك بالكسر.

السابقالتالي
2 3