الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى } إثر ما قص سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قصص الأنبياء المذكورين وأخبارهم الناطقة بكمال قدرته تعالى وعظم شأنه سبحانه وبما خصهم به من الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة الدالة على جلالة أقدارهم وصحة أخبارهم، وقد بين على ألسنتهم صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الكفر والإشراك وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى ومن أعرض عنهم فقد تردى في مهاوي الردى، وشرح صدره الشريف صلى الله عليه وسلم بما في تضاعيف تلك القصص من فنون المعارف الربانية، ونور قلبه بأنوار الملكات السبحانية الفائضة من عالم القدس، وقرر بذلك فحوى قوله تعالى:وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [النمل: 6].

أمر صلى الله عليه وسلم أن يحمده بأتم وجه على تلك النعم ويسلم على كافة الأنبياء عليهم السلام الذين من جملتهم من قصت أخبارهم وشرحت آثارهم عرفاناً لفضلهم وأداءاً لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، فالمراد بالعباد المصطفين الأنبياء عليهم السلام لدلالة المقام، وقوله تعالى في آية أخرى:وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 181] وقيل: هذا أمر له صلى الله عليه وسلم بحمده تعالى على هلاك الهالكين من كفار الأمم، والسلام على الأنبياء وأتباعهم الناجين صلى الله عليهم وسلم، والسلام على غير الأنبياء عليهم السلام إذا لم يكن استقلالاً مما لا خلاف في جوازه، ولعل المنصف لا يرتاب في جوازه على عباد الله تعالى المؤمنين مطلقاً، وقيل: أمر / له عليه الصلاة والسلام بالحمد على ما خصه جل وعلا به من رفع عذاب الاستئصال عن أمته ومخالفتهم لمن قبلهم ممن ذكرت قصته من الأمم المستأصلة بالعذاب، وبالسلام على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة. فالمراد بالمصطفين الأنبياء خاصة، وأخرج عبد بن حميد والبزار وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس أنه قال فيهم: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سفيان الثوري أنه قال في { وَسَلَـٰمٌ } الخ: نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وهذا ظاهر في القول بجواز السلام على غير الأنبياء استقلالاً كما هو مذهب الحنابلة وغيرهم، والكلام على جميع هذه الأقوال متصل بما قبله، وجعله الزمخشري من باب الاقتضاب كأنه خطبة مبتدأة حيث قال: ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته تعالى وقدرته على كل شيء وحكمته أعني قوله سبحانه: { آللَّه } الخ، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع، ولقد توارثت العلماء والخطباء والوعاظ كابراً عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله تعالى وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد وقبل كل موعظة وتذكرة وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المتراسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن)) انتهى، ولعل جعل ذلك تخلصاً من قصص الأنبياء عليهم السلام إلى ما جرى له صلى الله عليه وسلم مع المشركين أولى، وأبعد الأقوال القول باتصاله بما قبله، وجعل ذلك أمراً للوط عليه السلام بأن يحمده تعالى على إهلاك كفرة قومه، وأن يسلم على من اصطفاه بالعصمة عن الفواحش والنجاة عن الهلاك لعدم ملاءمته لما بعده واحتياجه إلى تقدير: وقلنا له، وعزا هذا القول ابن عطية للفراء، وقال: هذه عجمة من الفراء، والظاهر أن { سَلَـٰمٌ } مبتدأ وما بعده خبره، والجملة معطوفة على { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } داخلة معه في حيز القول.

السابقالتالي
2