الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }

{ أَلَمْ يَرَوْاْ } أي: ألم يعلموا علماً يشبه الرؤية بالبصر، لما سمعوا بالتواتر من إتيان المستهزئين قبلهم، أنباءهم مراراً كثيرة { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } ، أي: من أمة، فلم نبق منها أحداً، مثل قوم نوح وعاد وثمود، وغيرهم من الأمم الماضية، والقرون الخالية. { مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: قررناهم وثبتناهم في الأرض، { مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } أي: ما لم نجعل لكم من السعة والرفاهية وطول الأعمار، يا أهل مكة! { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ } أي: المطر. قال المهايميّ: هو أبلغ من (أَنْزَلْنَا) في الدلالة على الكثرة، { عَلَيْهِم مِّدْرَاراً } أي: كثيراً، { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ } أي: من تحت أشجارهم، فعاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار، وسقيا الغيث المدرار، { فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } أي: بسبب ذنوبهم وكفرهم، وتكذيبهم رسلهم، وجعلناهم أحاديث، فما أغنى عنهم ما كانوا فيه. أي وسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب. { وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } أي: بدلا من الهالكين. يعني: فلا يتعاظمه تعالى أن يهلك هؤلاء، ويخلي ديارهم منهم، وينشئ أمة سواهم، فما هم بأعزّ على الله منهم. والرسول الذي كذبوه أكرم على الله من رسلهم. فهم أولى بالعذاب، ومفاجأة العقوبة، لولا لطفه وإحسانه.

ثم بين تعالى شدة مكابرتهم، إثر إعراضهم، بقوله سبحانه:

{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ... }.