الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ }

قوله: { وَلاَ تَمْنُن }: العامَّةُ على فَكِّ الإِدغام. والحسن وأبو السَّمَّال بالإِدغام. قد تَقَدَّم أنَّ المجزومَ/ والموقوفَ من هذا النوع يجوزُ فيهما الوجهانِ، وقد تقدَّم تحقيقُه في المائدة عندمَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ } [المائدة: 54]. والمشهور أنه من المَنِّ، وهو الاعتدادُ على المُعْطي بما أعطاه. وقيل: " لا تَضْعُفْ " مِنْ قولِهم: حبلٌ مَنينٌ أي: ضعيفٌ.

قوله: { تَسْتَكْثِرُ } العامَّةُ على رفعِه، وفيه وجهان، أحدهما: أنه في موضع الحالِ أي: لا تَمْنُنْ مُسْتَكْثِراً ما أعطَيْتَ. وقيل: معناه: لِتَأْخُذْ أكثرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ. والثاني: أنَّه على حَذْفِ " أَنْ " يعني أنَّ الأصلَ: ولا تَمْنُنْ أَنْ تستكثرَ، فلمَّأ حُذِفَتْ " أَنْ " ارتفع الفعلُ كقولِه:
4380ـ ألا أيُّهذا الزَّاجري أَحْضُرُ الوغى   ..............................
في إحدى الروايَتَيْن، قاله الزمخشري، ولم يُبَيِّنْ: ما محلُّ " أَنْ " وما في حَيِّزها. وفيه وجهان، أظهرهما ـ وهو الذي يُريده ـ هو أنَّها في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ على الخلافِ فيها بعد حَذْفِ حرف الجر، وهو هنا لامُ العلة تقديرُه: ولا تَمْنُنْ لأَنْ تَسْتكْثِرَ. والثاني: أنَّها في محلِّ نصبٍ فقط مفعولاً بها أي: لا تَضْعُفْ أَنْ تَسْتكْثِرَ. من الخير، قاله مكي، وقد تَقَدَّم لك أنَّ " تَمْنُنْ " بمعنى تَضْعُف، وهو قولُ مجاهدٍ، إلاَّ أنَّ الشيخَ قال بعد كلامِ الزمخشريِّ: " وهذا لا يجوزُ أن يُحملَ القرآنُ عليه؛ لأنَّ ذلك لا يجوزُ إلاَّ في الشعرِ، ولنا مَنْدوحة عنه مع صحةِ معنى الحالِ " قلت: قد سبقه مكيٌّ وغيرُه إلى هذا. وأيضاً فقولُه: " في الشعر " ممنوعٌ؛ هؤلاء الكوفيون يُجيزون ذلك وأيضاً فقد قرأ الحسن والأعمش " تَسْتَكْثِرَ " نصباً، وهو على إضمار " أَنْ " كقولهم: " مُرْهُ يَحْفِرَها " وأَبلَغُ مِنْ ذلك التصريحُ بأنْ في قراءةِ عبد الله: " ولا تَمْنُنْ أَنْ تستكثرَ ".

وقرأ الحسنُ أيضاً وبانُ أبي عبلة " تستكثِرْ " جزماً، وفيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أَنْ يكونَ بدلاً من الفعلِ قبله، كقولِه تعالى:يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ } [الفرقان: 68 - 69] فـ " يُضاعَفْ " بدلٌ مِنْ " يَلْقَ " وكقولِه:
4381ـ مَتى تَأْتِنا تُلْمِمْ بنا في ديارِنا   تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تَأجَّجا
ويكونُ من المَنِّ الذي في قولِه:لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [البقرة: 264] الثاني: أن يُشَبَّه (ثِرْوَ) بـ " عَضُد " فيُسَكَّنَ تخفيفاً، قاله الزمخشري، يعني أنه تَأْخُذُ من مجموعِ " تَسْتكثر " ومن الكلمةِ بعده وهو الواوُ ما يكون فيه شبيهاً بـ " عَضُد ". ألا ترى أنه قال: " أنْ يُشَبَّه ثِرْوَ " فأخذ بعضَ " تَسْتكثر " وهو الثاءُ والراءُ وحرفَ العطفِ مِنْ قولِه: { ولربِّك فاصبِرْ }.

السابقالتالي
2