قوله تعالى: { عم يتساءلون } أصله «عنْ ما» فأدغمت النون في الميم، وحذفت ألف «ما» كقولهم: فيم، وبم، قال المفسرون: لما بُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جَعَلَ المشركون يتساءلون بينهم، فيقولون: ما الذي أتى به؟ ويتجادلون، ويختصمون فيما بعث به، فنزلت هذه الآية. واللفظ لفظ استفهام، والمعنى: تفخيم القصة، كما يقولون: أيُّ شيء زيد؟ إذا أردت تعظيم شأنه. ثم بيَّن ما الذي يتساءلون عنه، فقال تعالى: { عن النبإ العظيم } يعني عن الخبر العظيم الشأن. وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: القرآن، قاله مجاهد، ومقاتل، والفراء. قال الفراء: فلما أجاب صارت «عم» كأنها في معنى: لأي شيءٍ يتساءلون عن القرآن. والثاني: البعث، قاله قتادة. والثالث: أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه الزجاج. قوله تعالى: { الذي هم فيه مختلفون } من قال: إنه القرآن، فإن المشركين اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: أساطير الأولين، إلى غير ذلك، وكذلك من قال: هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم. فأما من قال: إنه البعث والقيامة، ففي اختلافهم فيه قولان. أحدهما: أنهم اختلفوا فيه لما سمعوا به، فمنهم من صدَّق وآمن، ومنهم من كذَّب، وهذا معنى قول قتادة. والثاني: أن المسلمين والمشركين اختلفوا فيه، فصدَّق به المسلمون، وكذَّب به المشركون، قاله يحيى بن سلام. قوله تعالى: { كلا } قال بعضهم: هي ردع وزجر. وقال بعضهم: هي نفي لاختلافهم، والمعنى: ليس الأمر على ما قالوا { سيعلمون } عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر { ثم كلا سيعلمون } وعيد على إثر وعيد. وقرأ ابن عامر «ستعلمون» في الحرفين بالتاء. ثم ذكر صنعه ليعرفوا توحيده، فقال تعالى: { ألم نجعل الأرض مهاداً } أي: فراشاً وبساطاً { والجبال أوتاداً } للأرض لئلا تميد { وخلقناكم أزواجاً } أي: أصنافاً، وأضداداً، ذكوراً، وإناثاً، سوداً، وبيضاً، وحمراً { وجعلنا نومكم سباتاً } قال ابن قتيبة: أي: راحة لأبدانكم. وقد شرحنا هذا في [الفرقان: 47] وشرحنا هناك قوله تعالى: { وجعلنا الليل لباساً }. قوله تعالى: { وجعلنا النهار معاشاً } أي: سبباً لمعاشكم. والمعاش: العيش، وكل شيء يُعَاشُ به، فهو مَعَاشٌ. والمعنى: جعلنا النهار مطلباً للمعاش. وقال ابن قتيبة: معاشاً، أي: عيشاً، وهو مصدر { وبَنَيْنَا فوقكم سبعاً شداداً } قال مقاتل: هي السموات، غِلظ كل سماءٍ مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك، وهي فوقكم يا بني آدم. فاحذروا أن تَعْصُوا فَتَخِرُّ عليكم. قوله تعالى: { وجعلنا سراجاً } يعني: الشمس { وهَّاجاً } قال ابن عباس: هو المضيء. وقال اللغويون: الوهَّاج: الوقَّاد. وقيل: الوهَّاج يجمع النور والحرارة. قوله تعالى: { وأنزلنا من المعصرات } فيها ثلاث أقوال: أحدها: أنها السموات، قاله أُبَيّ بن كعب، والحسن، وابن جبير.