الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ } كما مرَّ في أول السورة، وقوله تعالى: { فِي نَارِ } هذا هو الخبر، و { خَالِدِينَ } حال من الضمير المستكن في الخبر.

قوله: { أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ }.

وقرأ نافع وابن ذكوان: " البريئة " بالهمز في الحرفين، والباقون: بياء مشددة.

واختلف في ذلك الهمز، فقيل: هو الأصل من برأ الله الخلق، ابتدأه واخترعه، قال تعالى:مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } [الحديد: 22]، فهي فعيلة بمعنى مفعولة، وإنما خففت والتزم تخفيفها عند عامة العرب.

وقد تقدم أن العرب التزمت غالباً تخفيف ألفاظ منها: النبي، والجاثية، والذرية.

قال القرطبي: " وتشديد الياء عوض من الهمزة ".

وقيل: " البريَّة " دون همز مشتقة من " البرى " وهو التراب، فهي أصل بنفسها، والقراءتان مختلفتا الأصل متّفقتا المعنى. إلا أن عطية ضعف هذا، فقال: " وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ، وهو اشتقاق غير مُرْض " انتهى.

يعني أنه إذا قيل: إنها مشتقة من " البرى " وهو التراب، فمن أين تجيء الهمزة في القراءة الأخرى.

قال شهاب الدين: " هذا غير لازم، لأنهما قراءتان مشتقتان، لكل منهما أصل مستقل، فتلك من " برأ " ، أي: خلق، وهذه من " البرى " لأنهم خلقوا منه، والمعني بالقراءتين شيء واحد وهو جميع الخلق، ولا يلتفت إلى من ضعف الهمز من النحاة لثبوته متواتراً ".

قال القشيريُّ: " ومن قال: البرية من البرى، وهو التراب، قال: لا تدخل الملائكة تحت هذه اللفظة ".

وقيل: البرية: من بريت القلم، أي قدرته، فتدخل فيه الملائكة، ولكنه قول ضعيف؛ لأنه يجب فيه تخطئةُ من همز.

وقوله: { هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } ، أي: شر الخليقة، فقيل: يحتمل أن يكون على التعميم.

وقال قوم: أي هم شرُّ البرية الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى:وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 47]، أي: على عالمي زمانكم، ولا يبعد أن يكون في كفار الأمم قبل هذا من هو شرّ منهم، مثل: فرعون، وعاقر ناقة صالح، وكذا قوله: { خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } إما على التعميم، أو خير برية عصرهم، وقد استدل بقراءة الهمزة من فضل بني آدم على الملائكة.

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: المؤمن أكرم على الله - عزَّ وجلَّ - من بعض الملائكة الذين عنده.

وقرأ العامة: { خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } مقابلاً لـ " شرّ ".

وقرأ عامر بن عبد الواحد: " خِيارُ البريَّةِ " وهو جمع " خير " نحو: جِيَاد، وطِيَاب، في جمع جيد وطيب؛ قاله الزمخشريُّ. قال ابن الخطيب: وقدم الوعيد على الوعد، لأنه كالداء، والوعد: كالغذاء والدَّواء، فإذا بقي البدن استعمل الغذاء، فينتفع به البدن، لأن الإنسان إذا وقع في شدة رجع إلى الله تعالى، فإذا نال الدنيا أعرض.

السابقالتالي
2