الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } * { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } * { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وإِذا قيل لهم } عند ظهور نفاقهم: { تعالَوا يستغفر لكم رسولُ الله لَووا رؤوسَهم } أي: عطفوا استكباراً. وقرأ غير نافع بالتشديد للمبالغة. { ورأيتهم يصُدُّون } أي: يُعرضون عن القائل، أوعن الاستغفار، { وهم مستكبرون } عن الاعتذار والاستغفار. " رُوي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق على المُرَيْسيع ـ وهوماءٌ لهم ـ وهزمهم، وقتلهم، ازدحم على الماء " جهجاه " أجير لعُمر ـ مع سِنانٍ ـ حليف لعبد الله بن أُبيّ المنافق ـ فصرخ جهجاه: يا للمهاجرين! وصرخ سنان: يا للأنصار! فأعان جَهْجَاهاً جُعال من فقراء المهاجرين، ولطم سناناً، فقال ابنُ أُبيّ: أُوَقد فعلوها، وقال: وما صحبنا محمداً إلا لنُلطَم! وما مثلنا ومثلهم إلاَّ كما قائل القائل: سمِّن كلبك يَأكُلْكَ! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ. ثم قال لقومه: كُفوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تُنفقوا على مَن عنده حتى ينفضُّوا ويتركوه، فسمع ذلك زيدُ بن أرقم، وكان حدثاً، فقال: أنت ـ والله ـ الذليلُ، المبَغَّضُ في قومك، ومحمد على رأسه تاج المعراج، في عزّ من الرحمن، وقوةٍ من المسلمين، فقال عبدالله: اسكت، فإنما كنتُ ألعب، فأخبر زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنقَ المنافق! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذن تُرْعَدُ أنوفٌ كثيرة بيثرب " قال: فإن كرهت أن يقتله مُهاجريّ، فمُر به أنصاريًّا، فقال: " فكيف إذا تحدّث الناسُ أنّ محمداً يقتل أصحابه؟ " فأرسل صلى الله عليه وسلم له، فأتى، فقال: " أنت صاحب الكلام الذي بلغني "؟ فقال: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلتُ شيئاً من ذلك، وإنّ زيداً لكاذب، وهو قوله: { اتخَذوا أَيمانهم جُنَّة } فقال الحاضرون: يا رسول الله! شيخُنا وكبيرُنا، لا تُصدق عليه كلام غلام، عسى أن يكون قد وَهم، قال زيد: فوجدتُ في نفسي، ولآمَنِي الناسُ، فلزمتُ بيتي، فلما نزلت الآية، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد: " يا غلام إنَّ الله قد صَدَّقك وكذّب المنافقين " ، فلما بان كذب عبدالله قيل له: قد نزلت فيك آيٌ شِدادٌ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال: أمرتموني أن أومن فآمنتُ، وأمرتموني أن أزكي مَالي، فزكّيتُ، ما بقي لي إلاّ أن أسجد لمحمد، فنزل: { وإذا قيل لهم تعالوا... } الآية، وما بقي إلاّ أياماً حتى اشتكى ومات. قاله النسفي، فانظره، مع أنّ سورة براءة متأخرة عن هذه، وفيها:وَلآ تُصَلِ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم... } [التوبة:84] التي نزلت فيه. قالت تعالى: { سواءٌ عليهم أّسْتغفَرتَ لهم أم لم تستغفرْ لهم } ، أي: لا مساغ للنصح فيهم، { لن يغفر اللهُ لهم } أي: ما داموا على النفاق.

السابقالتالي
2 3