الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

كلام مستأنف يتميز به حال الكفرة/ الغواة المردة العتاة سيق إثر بيان بديع أحوال أضدادهم المتصفين بنعوت الكمال الفائزين بمطالبهم في الحال والمآل، ولم يعطف على سابقه عطف القصة على القصة لأن المقصود من ذلك بيان اتصاف الكتاب بغاية الكمال في الهداية تقريراً لكونه يقيناً لا مجال للشك فيه، ومن هذا بيان اتصاف الكفار بالإصرار على الكفر والضلال بحيث لا يجدي فيهم الإنذار، والقول إنهما مسوقان لبيان حال الكتاب وأنه هدى لقوم وليس هدى لآخرين لا يجدي نفعاً لأن عدم كونه هدى لهم مفهوم تبعاً لا مقصود أصالة على أن الانتفاع به صفة كمال له يؤيد ما سبق من تفخيم شأنه وإعلاء مكانه بخلاف عدم الانتفاع. وقيل إن ترك العطف لكونه استئنافاً آخر كأنه قيل ثانياً ما بال غيرهم لم يهتدوا به؟ فأجيب بأنهم لإعراضهم وزوال استعدادهم لم ينجع فيهم دعوة الكتاب إلى الإيمان وليس بشيء لأنه بعد ما تقرر أن تلك الأوصاف المختصة هي المقتضية لم يبق لهذا السؤال وجه، وأغرب من هذا تخيل أن الترك لغاية الاتصال زعماً أن شرح تمرد الكفار يؤكد كون الكتاب كاملاً في الهداية نعم يمكن على بعد أن يوجه السؤال بأن يقال: لو كان الكتاب كاملاً لكان هدى للكفار أيضاً فيجاب بأن عدم هدايته إياهم لتمردهم وتعنتهم لا لقصور في الكتاب.
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته   والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
والعطف في قوله تعالى:إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ } [الإنفطار: 13-14] لاتحاد الجامع إذ الجملة الأولى مسوقة لبيان ثواب الأخيار، والثانية لذكر جزاء الأشرار مع ما فيهما من الترصيع والتقابل وقد عد التضاد وشبهه جامعاً يقتضي العطف لأن الوهم ينزل المتضادين منزلة المتضايفين فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن حتى قالوا إن الضد أقرب خطوراً بالبال مع الضد من الأمثال. وصدرت الجملة بإن اعتناء بمضمونها وقد تصدر بها الأجوبة لأن السائل لكونه متردداً يناسبه التأكيد وتعريف الموصول إما للعهد والمراد من شافههم صلى الله عليه وسلم بالإنذار في عهده وهم مصرون على كفرهم أو للجنس كما في قوله تعالى:كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ } [البقرة: 171] وكقول الشاعر:
ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي   وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
فهو حينئذٍ عام خصه العقل بغير المصرين، والإخبار بما ذكر قرينة عليه أو المخصص عود ضمير خاص عليه من الخبر لا الخبر نفسه وقد ذكر الأصوليون ثلاثة أقوال فيما إذا عاد ضمير خاص على العام فقيل يخصصه وقيل لا وقيل بالوقف ومثلوه بقوله تعالى:وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } [البقرة: 228] فإن الضمير في { بُعُولَتُهُنَّ } للرجعيات فقط.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9