الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

يجوز أن يكون عطفاً على جملةما قطعتم من لينة } الحشر 5 الآية فتكون امتناناً وتكملة لمصارف أموال بني النضير. ويجوز أن تكون عطفاً على مجموع ما تقدم عطفَ القصة على القصة والغرض على الغرض للانتقال إلى التعريف بمصير أموال بني النضير لئلا يختلف رجال المسلمين في قسمته. ولبيان أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمة أموال بني النضير هو عدلٌ إن كانت الآية نزلت بعد القسمة وَمَا صْدَقُ { ما أفاء الله } هو ما تركوه من الأرض والنخل والنقض والحطب. والفَيء معروف في اصطلاح الغزاة، ففعل أفاء أعطَى الفيء، فالفيء في الحروب والغارات ما يظفر به الجيْشُ من متاع عدوّهم وهو أعم من الغنيمة ولم يتحقق أيمة اللغة في أصل اشتقاقه فيكون الفيء بقتال ويكون بدون قتال، وأما الغنيمة فهي ما أخذ بقتال. وضمير { منهم } عائد إلىالذين كفروا من أهل الكتاب } الحشر 2 الواقع في أول السورة وهم بنو النضير. وقيل أريد به الكفار، وأنه نزَّلَ في فيء فدك فهذا بعيد ومخالف للآثار. وقوله { فما أوجفتم عليه } خبر عن ما الموصولة قرن بالفاء لأن الموصول كالشرط لتضمنه معنى التسبب كما تقدم آنفاً في قولهفبإذن الله } الحشر 5. وهو بصريحه امتنان على المسلمين بأن الله ساق لهم أموال بني النضير دون قتال، مثل قوله تعالىوكفى الله المؤمنين القتال } الأحزاب 25، ويفيد مع ذلك كناية بأن يقصد بالإِخبار عنه بأنهم لم يُوجفوا عليه لازمُ الخبر وهو أنه ليس لهم سبب حقَ فيه. والمعنى فما هو من حقّكم، أو لا تسألوا قسمته لأنكم لم تنالوه بقتالكم ولكن الله أعطاه رسوله صلى الله عليه وسلم نعمة منه بلا مشقة ولا نصَب. والإِيجاف نوع من سَير الخيل. وهو سَير سريع بإِيقاع وأريد به الركض للإِغارة لأنه يكون سريعاً. والركابُ اسم جمع للإِبل التي تُرْكبُ. والمعنى ما أغرتم عليه بخيل ولا إبل. وحرف على في قوله تعالى { فما أوجفتم عليه } للتعليل، وليس لتعدية { أوجفتم } لأن معنى الإِيجاف لا يتعدى إلى الفيء بحرف الجر، أو متعلقٌ بمحذوف هو مصدر { أوجفتم } ، أي إيجافاً لأجله. و { مِن } في قوله { من خيل } زائدة داخلة على النكرة في سياق النفي ومدخول { مِن } في معنى المفعول به لـ { أوجفتم } أي ما سقتم خيلاً ولا ركاباً. وقوله { ولكن الله يسلّط رسله على من يشاء } استدراك على النفي الذي في قوله تعالى { فما أوجفتم عليه } لرفع توهم أنه لا حقّ فيه لأحد. والمراد أن الله سلط عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فالرسول أحق به. وهذا التركيب يفيد قصراً معنوياً كأنه قيل فما سلطكم الله عليهم ولكن سلط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم وفي قوله تعالى { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } إيجاز حذف لأن التقدير ولكن الله سلط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم والله يسلط رُسله على من يشاء وكان هذا بمنزلة التذييل لعمومه وهو دال على المقدر.

السابقالتالي
2