الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }

أى واذكر - أيضا - أيها الرسول الكريم - وذكِّر الناس ليعتبروا ويتعظوا، وقت أن قال عيسى ابن مريم، مخاطبا من أرسله الله إليهم بقوله { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم } لكى أخرجكم من ظلمات الكفر والشرك، إلى نور الإِيمان والتوحيد. ولم يقل لهم يا قوم - كما قال لهم - موسى - عليه السلام - بل قال { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } لأنه لا أب له فيهم، وإن كانت أمه منهم، والأنساب إنما تكون من جهة الآباء، لا من جهة الأمهات. وفى قوله { إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم } إخبار صريح منه لهم، بأنه ليس إلها وليس ابن إله - كما زعموا وإنما هو عبد الله ورسوله. وقوله { مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } جملة حالية لإِثبات حقيقة رسالته، وحضهم على تأييده وتصديقه والإِيمان به. أى إنى رسول الله - تعالى - إليكم بالكتاب الذى أنزله الله علىَّ وهو الإِنجيل، حال كونى مصدقا للكتاب الذى أنزله الله - تعالى - على نبيه موسى - عليه السلام - وهذا الكتاب هو التوراة، وما دام الأمر كذلك فمن حقى عليكم، أن تؤمنوا به، وأن تتبعونى، لأنى لم آتكم بشىء يخالف التوراة، بل هى مشتملة على ما يدل على صدقى، فكيف تعرضون عن دعوتى. وقوله { مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ } فيه نوع مجاز، لأن ما بين يدى الإِنسان هو ما أمامه، فسمى ما مضى كذلك لغاية ظهوره واشتهاره. واللام فى " لما " لتقوية العامل، نحوه قوله - تعالى -فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } وقوله - سبحانه - { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } معطوف على ما قبله. والتبشير الإِخبار بما يسر النفس ويبهجها، بحيث يظهر أثر ذلك على بشرة الإِنسان، وكان إخباره بأن نبيا سيأتى من بعده اسمه تبشيرا، لأنه سيأتيهم بما يسعدهم، ويرفع الأغلال عنهم، كما قال - تعالى -وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } ولفظ { أَحْمَدُ } اسم من أسماء نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو علم منقول من الصفة، وهذه الصفة يصح أن تكون مبالغة من الفاعل. فيكون معناها أنه - صلى الله عليه وسلم - أكثر حمدا لله - تعالى - من غيره. ويصح أن تكون من المفعول، فيكون معناها أنه يحمده الناس لأجل ما فيه من خصال الخير، أكثر مما يحمدون غيره. قال الآلوسى وهذا الاسم الجليل، علم لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصح من رواية مالك، والبخارى، ومسلم.. عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن لى أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى، وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر، وأنا العاقب ".

السابقالتالي
2