الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }

الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري هنا، أي إذا علمت هذا وتقرر، تعلَمُ أن اليسر مصاحب للعسر، وإذ كان اليسر نقيض العسر كانت مصاحبةُ اليسر للعسر مقتضيةً نقضَ تأثير العسر ومبطلة لعمله، فهو كناية رمزية عن إدراك العناية الإِلٰهية به فيما سبق، وتعريض بالوعد باستمرار ذلك في كل أحواله. وسياق الكلام وعد للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن يُيَسر اللَّهُ له المصاعب كلَّما عرضت له، فاليسر لا يتخلف عن اللحاق بتلك المصاعب، وذلك من خصائص كلمة { مع } الدالة على المصاحبة. وكلمة { مع } هنا مستعملة في غير حقيقة معناها لأن العسر واليسر نقيضان فمقارنتهما معاً مستحيلة، فتعين أن المعيّة مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية. وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالىسيجعل اللَّه بعد عسر يسراً } في سورة الطلاق 7. فهذه الآية في عسر خاص يعرض للنبيء، وآية سورة الطلاق عامة، وللبعْدية فيها مراتب متفاوتة. فالتعريف في { العسر } تعريف العهد، أي العسر الذي عَهِدْتَه وعلمتَه وهو من قبيل ما يسميه نحاة الكوفة بأن ال فيه عوض عن المضاف إليه نحو قوله تعالىفإن الجنة هي المأوى } النازعات 41 أي فإن مع عُسرك يسراً، فتكون السورة كلها مقصورة على بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى. وعد الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الأمور العسرة عليه يسرة له وهو ما سبق وعده له بقولهونيسرك لليسرى } الأعلى 8. وحرف { إنْ } للاهتمام بالخبر. وإنما لم يستغن بها عن الفاء كما يقول الشيخ عبد القاهر إنَّ تغني غَناء فاء التسبب، لأن الفاء هنا أريد بها الفصيحة مع التسبب فلو اقتصر عَلى حرف إنّ لفات معنى الفصيحة. وتنكير { يسراً } للتعظيم، أي مع العسر العارض لك تيسيراً عظيماً يغلب العسر ويجوز أن يكون هذا وعداً للنبيء صلى الله عليه وسلم ولأمته لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شؤون دعوته للدين ولصالح المسلمين. وروى ابن جرير عن يونس ومعمر عن الحَسَن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت هذه الآية { فإن مع العسر يسراً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبشروا أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين " فاقتضى أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته. وفي «الموطإ» «أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب يَذْكُر له جموعاً من الروم وما يُتخوف منهم فكتب إليه عمر «أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً وإنه لن يغلب عسر يسرين».

السابقالتالي
2 3