الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

العهد الوصية، وعهد إليه إذا وصاه. وعهد الله إليهم ما ركز فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع. وعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم. وقرىء «إعهد» بكسر الهمزة. وباب «فعل» كله يجوز في حروف مضارعته الكسر، إلا في الياء. وأعهد، بكسر الهاء. وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب. وأحهد بالحاء. وأحد وهي لغة تميم. ومنه قولهم دحا محا { هَـٰذَا } إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمٰن، إذ لا صراط أقوم منه، ونحو التنكير فيه ما في قول كثيِّرُ
لَئِنْ كَانَ يُهْدَى بَرْدُ أَنْيَابِهَا الْعُلى لأَفْقَرَ مِنِّي إنَّنِي لَفَقِيرُ   
أراد إنني لفقير بليغ الفقر، حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه فيّ، وإلا لم يستقم معنى البيت، وكذلك قوله { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يريد صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يراد هذا بعض الصرط المستقيمة، توبيخاً لهم على العدول عنه، والتفادي عن سلوكه، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدي إلى الضلالة والتهلكة، كأنه قيل أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك، كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده هذا فيما أظنّ قول نافع غير ضار، توبيخاً له عن الإعراض عن نصائحه.