الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }

قوله: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ }: " إذ " منصوبٌ بـ اذكر، أو وقتَ قال لفتاه جرى ما قَصَصْنا عليك مِنْ خبرِه.

قوله: " لا أَبْرَحُ " يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ تكونَ ناقصةً فتحتاجَ إلى خبر. والثاني: أن تكونَ تامةً فلا تحتاج إليه. فإن كانَتِ الناقصةَ ففيها تخريجان، أحدُهما: أن يكونَ الخبرُ محذوفاً للدلالةِ عليه تقديرُه: لا أبرحُ أسيرُ حتى أبلغَ، إلا انَّ حَذْفَ الخبرِ في هذا البابِ نَصَّ بعضُ النَّحْويين على أنه لا يجوزُ ولو بدليلٍ، إلا في ضرورة كقوله:
3177- لَهَفي عليكَ للِهْفَةٍ مِنْ خائفٍ   يَبْغي جوارَك حينَ ليس مُجِيْرُ
أي: حين ليس في الدنيا مُجير. والثاني: أنَّ في الكلام حَذْفَ مضافٍ تقديرُه: لا يَبْرَحُ مسيري حتى أبلغَ، ثم حذف " مسير " وأقيمت الياء مُقامَه، فانقلبَتْ مرفوعةً مستترة بعد أن كانت مخفوضةَ المحلِّ بارزةً، وبقي " حتى أَبْلُغَ " على حالِه هو الخبر.

وقد خَلَطَ الزمخشريُّ هذين الوجهين فجَعَلَهما وجهاً واحداً، ولكنْ في عبارةٍ حسنةٍ جداً، فقال: " فإن قلت " " لا أبرح " إن كان بمعنى " لا أَزُوْل " مِنْ بَرِح المكانَ فقد دلَّ على الإِقامة لا على السفر. وإن كان بمعنى " لا أزال " فلا بُدَّ من خبر. قلت: هي بمعنى لا أزال، وقد حُذِفَ الخبرُ لأنَّ الحالَ والكلامَ معاً يَدُلاَّن عليه: أمَّا الحالُ فلأنها كانت حالَ سَفَرٍ، وأمَّا الكلامُ فإنَّ قولَه " حتى أَبْلُغَ " غايةٌ مضروبةٌ تَسْتدعي ما هي غايةٌ له، فلا بد أن يكون المعنى: [لا أبرح أسير حتى أبلغَ. ووجهٌ آخرُ وهو أَنْ يكونَ المعنى:] لا يبرح مسيري حتى أبلغَ على أنَّ " حتى أبلغَ " هو الخبرُ، فلمَّا حُذِفَ المضافُ أُقيم المضافُ إليه مُقامه وهو ضميرُ المتكلم، فانقلب الفعلُ مِنْ ضمير الغائبِ إلى لفظِ المتكلم وهو وجهٌ لطيفٌ ".

قلت: وهذا على حُسْنِه فيه نظرٌ لا يخفى وهو: خلوُّ الجملةِ الواقعةِ خبراً عن " مسيري " في الأصل مِنْ رابط يَرْبِطُها به. ألا ترى أنه ليس في قوله " حتى أبلغ " ضميرٌ يعودُ على " مَسيري " إنما يعودُ على المضافِ إليه المستتر، ومِثْلُ ذلك لا/ يُكتفى به.

ويمكن أَنْ يُجابَ عنه: بانَّ العائدَ محذوفٌ، تقديرُه حتى أبلغَ به، أي: بمسيري.

وإن كانت التامةَ كان المعنى: لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى ألزمُ المسيرَ والطَّلَبَ، ولا أفارقه ولا أتركه، حتى أبلغَ، كما تقول: لا أبرحُ المكانَ. قلت: فعلى هذا يُحتاجُ أيضاً إلى حَذْفِ مفعولٍ به كما تقدَّمَ تقريرُه، فالحذفُ لا بُدَّ منه على تقديرَيْ التمامِ والنقصانِ في أحدِ وجهَيْ النقصان.

السابقالتالي
2