قوله تعالى: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. و " مِنْ " للتبعيض. قال ابن قتيبة: قل لهن يلبَسْنَ الأرْدئة. وقال غيره: يغطين رؤوسهن ووجوههن. قال ابن مسعود والحسن: الجلباب: الرداء. وقال سعيد بن جبير: القناع. وقال قطرب: هو [كل] ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها. وقال الزمخشري: هو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها ويبقى ما ترسله على صدرها. وقيل: هو ما تستتر به من كساء أو غيره. قال أبو زبيد:
.........................
مُجَلْبَبٌ منْ سوادِ الليل جِلْبَابا
{ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } قال السدي: كانت المدينة ضيقة المنازل، وكانت النساء يخرجن بالليل لقضاء الحاجة، وكان فُسَّاق من فُسَّاق المدينة يخرجون، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا: هذه حُرَّة فتركوها، وإذا رأوها بغير قناع قالوا: هذه أَمَة فكابروها. ثم الله تعالى توعد هؤلاء الفساق فقال تعالى: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ } أي: عن نفاقهم، { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } وهم أهل الفجر. وقيل: هم قوم كان فيهم ضعف إيمان وقلة ثبات. { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } قال قتادة: هم الذين يذكرون من الأخبار ما تضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين. { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي: لنُحرِّشَنَّكَ ولنحملنك على مؤاخذتهم، { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ } أي: في المدينة { إِلاَّ قَلِيلاً } أي: زماناً قليلاً، ثم يهلكون. { مَّلْعُونِينَ } نصب على الذم أو على الحال، أي: لا يجاورونك إلا ملعونين. وقيل: إن " قليلاً " نصب على الحال أيضاً، على معنى: لا يجاورونك إلا أقلاء أذلاء ملعونين. { سُنَّةَ ٱللَّهِ } في موضع مصدر مؤكد، أي: سَنّ الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيث ما ثقفوا، أي: الحكم فيهم هذا على جهة الأمر. قال قتادة: ذكر لنا أن المنافقين أرادوا أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله تعالى في هذه الآية فكتموه.