الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { إِنما } تدفع { الصدقاتُ } الواجبة ـ أي: الزكاة ـ لهؤلاء الثمانية، وهذا يُرَجَّحُ أن لَمْزهم كان في قسم الزكاة لا في الغنائم، واختصاص دفع الزكاة بهؤلاء الثمانية مجمع عليه، واختلف: هل يجب تعميمهم؟ فقال مالك: ذلك إلى الإمام، إن شاء عمم وإن شاء خصص، وإن لم يلها الإمام فصاحب المال مخير، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وأفتى به بعض الشافعية، وقال الشافعي: يجب أن تقسم على هذه الأصناف بالسواء، إن وجدت. أولها: الفقير: وهو من لا شيء له، وثانيها: المسكين: وهو من له شيء لا يكفيه. فالفقير أحوج، وهو مشتق من فقار الظهر، كأنه أصيب فقاره، والمسكين من السكون، كأن العجز أسكنه. ويدل على هذا قوله تعالى:أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَت لِمَسَاكِينَ } [الكهف: 79]. فسماهم مساكين مع ملكهم السفينة، وأنه صلى الله عليه وسلم سأل المسكنة وقيل بالعكس، لقوله تعالى:أًو مِسكيناً ذَا مَتربَةٍ } [البلد: 16] وقيل: هما سواء. { والعاملينَ عليها } أي: الساعين في تحصيلها وجمعها، ويدخل فيهم الحاشر والكاتب والمفرق، ولا بأس أن يعلف خيلهم منها، ويضافون منها بلا سَرف. { والمؤلفة قلوبهم } قال مالك: هم كفار ظهر ميلهم للإسلام، فيعطوا ترغيباً في الإسلام. وقيل قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة، فيعطوا ليتمكن الإسلام في قلبهم، وحكمُهم باق، وقيل: أشراف يُترقب بإعطائهم إسلام نظائرهم. { وفي الرقاب } أي: في فك الرقاب، يشترون ويعتقون، { والغَارِمينَ } ، أي: مَنْ عليهم دَيْن، فيعطى ليقضي دينه، ويشرط أن يكون استدانة في غير فساد ولا سرف، وليس له ما يبيع في قضائه. { وفي سبيل الله } يعني: الجهاد، فيعطى منها المجاهدون وإن كانوا أغنياء، ويشتري منها آلة الحرب، ولا يبنى منها سور ولا مركب. { وابن السبيل } وهو الغريب المحتاج لما يوصله لبلده، ولم يجد مسلفاً، إن كان مليَّاَ ببلده، وإلا أعطي مطلقاً. فرض الله ذلك { فريضة من الله } أي: حقاً محدوداً عند الله. قال ابن جزي: ونصبه على المصدر ـ يعني: لفعل محذوف كما تقدم ـ فإن قيل: لِمَ ذكر مصرف الزكاة في تضاعيف ذكر المنافقين؟ فالجواب: أنه خص مصرف الزكاة في تلك الأصناف ليقطع طمع المنافقين فيها، فاتصلت هذه الآية في المعنى بقوله: { ومنهم من يلمزك في الصدقات... } هـ. { والله عليمٌ حكيم } يضع الأشياء في مواضعها. الإشارة: إنما النفحات والمواهب للفقراء والمساكين، الذين افتقروا من السِّوى، وسكنوا في حضرة شهود المولى. وفي الحكم. " ورود الفاقات أعياد المريدين، ربما وجدت من المزيد في الفاقة ما لا تجده في الصوم والصلاة، الفاقات بسُطُ المواهب. إن أردت بسط المواهب عليك فصحح الفقر والفاقة لديك. { إنما الصدقات للفقراء والمساكين }.

السابقالتالي
2 3