الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

تذكير بنعمة أخرى جمعت ثلاث نعم وهي الري من العطش، وتلك نعمة كبرى أشد من نعمة إعطاء الطعام ولذلك شاع التمثيل بري الظمآن في حصول المطلوب. وكون السقي في مظنة عدم تحصيله وتلك معجزة لموسى وكرامة لأمته لأن في ذلك فضلاً لهم. وكون العيون اثنتي عشرة ليستقل كل سبط بمشرب فلا يتدافعوا. وقوله { وإذ } متعلق بـــ { اذكروا } وقد أشارت الآية إلى حادثة معروفة عند اليهود وذلك أنهم لما نزلوا في «رفيديم» قبل الوصول إلى برية سينا وبعد خروجهم من برية سين في حدود الشهر الثالث من الخروج عطشوا ولم يكن بالموضع ماء فتذمروا على موسى وقالوا أتصعدنا من مصر لنموت وأولادنا ومواشينا عطشاً فدعا موسى ربه فأمره الله أن يضرب بعصاه صخرة هناك في «حوريب» فضرب فانفجر منها الماء. ولم تذكر التوراة أن العيون اثنتا عشرة عيناً وذلك التقسيم من الرفق بهم لئلا يتزاحموا مع كثرتهم فيهلكوا فهذا مما بينه الله في القرآن. فقوله { استسقى موسى } صريح في أن طالب السقي هو موسى وحده، سأله من الله تعالى ولم يشاركه قومه في الدعاء لتظهر كرامته وحده، كذلك كان استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر لما قال له الأعرابي «هلك الزرع والضرع فادع الله أن يسقينا» والحديث في «الصحيحين». وقوله { لقومه } مؤذن بأن موسى لم يصبه العطش وذلك لأنه خرج في تلك الرحلة موقناً أن الله حافظهم ومبلغهم إلى الأرض المقدسة فلذلك وقاه الله أن يصيبه جوع أو عطش وكلل وكذلك شأن الأنبياء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وصال الصوم " إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " قال ابن عرفة في «تفسيره» أخذ المازري من هذه الآية جواز استسقاء المخصب للمجدب لأن موسى عليه السلام لم ينله ما نالهم من العطش ورده ابن عرفة بأنه رسولهم وهو معهم اهـ. وهو رد متمكن إذ ليس المراد باستسقاء المخصب للمجدب الأشخاص وإنما المراد استسقاء أهل بلد لم ينلهم الجدب لأهل بلد مجدبين والمسألة التي أشار إليها المازري مختلف فيها عندنا واختار اللخمي جواز استسقاء المخصب للمجدب لأنه من التعاون على البر ولأن دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وقال المازري فيه نظر لأن السلف لم يفعلوه. وعصا موسى هي التي ألقاها في مجلس فرعون فتلقفت ثعابين السحرة وهي التي كانت في يد موسى حين كلمه الله في برية سينا قبل دخوله مصر وقد رويت في شأنها أخبار لا يصح منها شيء فقيل إنها كانت من شجر آس الجنة أهبطها آدم معه فورثها موسى ولو كان هذا صحيحاً لعده موسى في أوصافها حين قال

السابقالتالي
2 3