الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

{ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } / أي فويل لهم. ووضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلاً عليهم بما في حيز الصلة من الكفر وإشعاراً بعلة الحكم. والفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على أن لهم عذاباً عظيماً كما أن الفاء التي قبلها لترتيب النهي عن الاستعجال على ذلك. و { مِنْ } في قوله سبحانه: { مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } للتعليل؛ والعائد على الموصول محذوف أي يوعدونه أو يوعدون به على قول. والمراد بذلك اليوم قيل: يوم بدر، ورجح بأنه الأوفق لما قبله من حيث إنه ذنوب من العذاب الدنيوي، وقيل: يوم القيامة، ورجح بأنه الأنسب لما في صدر السورة الكريمة الآتية، والله تعالى أعلم.

ومما قاله بعض أهل الإشارة في بعض الآيات:وَٱلذٰرِيَـٰتِ ذَرْواً } [الذاريات: 1] إشارة إلى الرياح التي تحمل أنين المشتاقين المتعرضين لنفحات الألطاف إلى ساحات العزة، ثم تأتي بنسيم نفحات الحق إلى مشام المحبين فيجدون راحة مّا من غلبات اللوعةفَٱلْحَـٰمِلَـٰتِ وِقْراً } [الذاريات: 2] إشارة إلى سحائب ألطاف الألوهية تحمل أمطار مراحم الربوبية فتمطر على قلوب الصديقينفَٱلْجَـٰرِيَـٰتِ يُسْراً } [الذاريات: 3] إشارة إلى سفن أفئدة المحبين تجري برياح العناية في بحر التوحيد على أيسر حالفَٱلْمُقَسّمَـٰتِ أَمْراً } [الذاريات: 4] إشارة إلى الملائكة النازلين من حظائر القدس بالبشائر والمعارف على قلوب أهل الاستقامة، وإن شئت جعلت الكل إشارة إلى أنواع رياح العناية فمنها ما يطير بالقلوب في جو الغيوب، وقد قال العاشق المجازي:
خذا من صبا نجد أماناً لقلبه   فقد كاد رياها يطير بلبه
وإيا كما ذاك النسيم فإنه   متى هب كان الوجد أيسر خطبه
ومنها: الحاملات وقراً دواء قلوب العاشقين كما قيل:
أيا جبلى نعمان بالله خليا   نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة   على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت   على نفس مهموم تجلت همومها
ومنها { ٱلْجَارِيَاتِ } من مهاب حضرات القدس إلى أفئدة أهل الأنس بسهولة لتنعش قلوبهم، ومنها { ٱلْمُقَسِّمَاتِ } ما جاءت به مما عبق بها من آثار الحضرة الإلـٰهية على نفوس المستعدين حسب استعداداتهم وإن شئت قلت غير ذلك فالباب واسعوَٱلسَّمَاءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } [الذاريات: 7] إشارة إلى سماء القلب فإنها ذات طرائق إلى الله عز وجلإِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } [الذاريات: 15] إشارة إلى جنات الوصال وعيون الحكمةوَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات: 18] يطلبون غفر أي ستر وجودهم بوجود محبوبهم، أو يطلبون غفران ذنب رؤية عبادتهم من أول الليل إلى السحروَمِن كُلّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49] إشارة إلى أن جميع ما يرى بارزاً من الموجودات ليس واحداً وحدة حقيقية بل هو مركب ولا أقل من كونه مركباً من الإمكان، وشيء آخر فليس الواحد الحقيقي إلا الله تعالى الذي حقيقته سبحانه إنيته

السابقالتالي
2