قوله تعالى: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ }. إلى قوله: { وَعْدُهُ مَأْتِيّاً }. المعنى: فخلف من بعد من ذكرنا من الأنبياء، خلف سوء خلفوهم في الأرض. يقال في الردئ " خَلْف " بإسكان اللام، وفي الصلاح " خَلَفْ " بتحريك اللام. وعن أبي إسحاق ضد هذا. والأول أشهر. ثم قال: { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } أي أخروا الصلاة عن مواقيتها، ولم يتركوها، ولو تركوها لكان كفراً. قاله عمر بن عبد العزيز: وهو معنى قول ابن مسعود. وكذلك قال ابن مسعود: في قوله تعالى ذكره:{ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 5] إنه تأخيرها عن وقتها. قال مسروق: لا يحافظ على الصلوات الخمس أحد فيكتب من الغافلين. وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخلف من بعد ستين سنة ". قال أبو محمد مكي رضي الله عنه: وقد ذكر الجعفي في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: هم ناس يظهرون في آخر الزمان من قبل المغرب، وهم شر من يملك، وذكر اسمهم. وعن مجاهد، أن الخلف هنا النصارى بعد اليهود. رواه ابن وهب، وهو ظاهر الآية لأن بعده " إلا من تاب وآمن " فذكره لشرط الإيمان مع التوبة يدل على أنهم لم يكونوا مؤمنين. وقوله: { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } قيل: معناه: اتبعوا شهواتهم فيما حرّم الله عليهم. وقال القرظي: أضاعتهم لها، تركها وهذا القول اختيار الطبري لقوله بعد ذلك: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } فلو كان المضيعون مؤمنين لم يقل: " إلا من تاب وآمن " ولكنهم كانوا كفاراً بتركهم للصلاة والزكاة. وقال مجاهد: هؤلاء قوم يكونون عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنا. وقال عطاء: هم من أمة محمد عليه السلام. ثم قال تعالى: { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً }. يعني: وادياً في جهنم قاله ابن عمر. وعنه أنه قال: هو نهر في جهنم، خبيث الطعم بعيد القعر. وقال ابن عباس: غياً: خسراناً. وقال ابن زيد: " غياً " شراً. والتقدير: فسوف يلقون جزاء الغي، كما قال يلق آثاماً أي: جزاء الآثام. وقيل: سمي الوادي غياً لأن الغاوين يصيرون إليه. وقيل: المعنى: " فسوف يلقون غياً ". أي: خيبة من الجنة، والثواب الذي يناله المؤمنون، وعذاباً في النار. و " الغي " في اللغة " الخيبة. ثم استثنى فقال: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } دون أولئك. { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً }. أي: ولا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئاً. ثم بيّن موضع الدخول فقال: " جنات عدن " أي: إقامة. { ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي: وعدهم بها، وهم لم يروها فصدقوا بذلك. { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً }. الوعد هنا بمعنى الموعود. كما قالوا: الخلق بمعنى المخلوق. و " مأتياً " أي: يأتيه أولياؤه، وأهل طاعته. وقيل " مأتياً ": هو مفعول بمعنى فاعل. قاله ابن قتيبة واستبعده النحاس، وهو عنده / مفعول من الإتيان، لأن كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه.