الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

الصبر حبس النفس على الشىء، بمعنى إلزامها إياه، ومنه الصبر على الطاعات، أو يطلق على حبسها بمعنى كفها. ومنه الصبر عن المعاصى. والطعام ما رزقوه فى التيه من المن والسلوى والبقل ما تنبته الأرض من الخضر مما يأكله الناس والأنعام من نحو النعناع والكراث وغيرهما. والقوم قيل هو الثوم، وقيل هو الحنطة. والقثاء نوع من المأكولات أكبر حجماً من الخيار. قال ابن جرير وكان سبب مسألتهم موسى - عليه السلام - ذلك فيما بلغنا عن قتادة أنه قال كان القوم فى البرية قد ظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى فملوا ذلك، وذكروا عيشاً كان لهم بمصر، فسألوه موسى، فقال الله تعالى { ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ }. ثم ساق ابن جرير رواية، فيها تصريح بأن سؤالهم لم يكن فى البرية بل كان فى التيه فقال حدثنى يونس بن عبد الأعلى، قال أخبرنا ابن وهب قال أنبأنا ابن زيد قال " كان طعام بنى إسرائيل فى التيه واحداً، وشرابهم واحداً. كان شرابهم عسلاً ينزل لهم من السماء يقال له المن، وطعامهم طير يقال له السلوى، يأكلون الطير ويشربون العسل، لم يكونوا يعرفون خبزاً ولا غيره، فقالوا يا موسى إنا { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا } فقرأ حتى بلغ قوله تعالى { ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ }. وقد جرى أبو حيان وصاحب الكشاف - فى تفسيريهما - على أن سؤالهم لمرسى - عليه السلام كان فى التيه. قال أبو حيان عند تفسير قوله تعالى { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } " لما سئموا من الإِقامة فى التيه. والمواظبة على مأكول واحد لبعدهم عن الأرض التى ألفوها، وعن العوائد التى عهدوها، أخبروا عما وجدوه من عدم الصبر على ذلك، وتشوقهم إلى ما كانوا يألفون، وسألوا موسى أن يسأل الله لهم ". وقال صاحب الكشاف " كانوا أهل فلاحة فنزعوا إلى عكرهم - فأجموا - أى ملوا وكرهوا - ما كانوا فيه من النعمة وطلبت أنفسهم عدم البقاء { عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } أرادوا ما رزقوه فى التيه من المن والسلوى ". ومعنى الآية الكريمة إجمالا واذكروا يا بنى إسرائيل بعد أن أسبغنا عليكم نعمنا ما كان من سوء اختيار أسلافكم، وفساد أذواقكم، وإعناتهم لنبيهم موسى - عليه السلام - حيث قالوا له ببطر وسوء أدب لن نصبر على طعام المن والسلوى فى كل وقت، فسل ربك أن يخرج لنا مما تنبته الأرض من خضرها وفاكهتها وحنطتها وعدسها وبصلها، لأن نفوسنا قد عافت المن والسلوى، فوبخهم نبيهم موسى - عليه السلام - بقوله أتختارون الذى هو أقل فائدة وأدنى لذة، وتتركون المن والسلوى وهو خير مما تطلبون لذة وفائدة؟ انزلوا إلى مصر من الأمصار فإنكم تجدون به ما طلبتموه من البقول وأشباهها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8