الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

أي إن الذين آمنوا بما دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وصاروا من جملة أتباعه. قال في فتح البيان: كأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية، وحال من قبلها من سائر الملل، يرجع إلى شيء واحد، وهو أن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً استحق ما ذكره الله من الأجر. ومن فاته ذلك فاته الخير كله، والأجر دقه وجله. والمراد بالإيمان ههنا هو ما بينه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم من قوله، لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان فقال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره ".

ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية. فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا بالقرآن، فليس بمؤمن. ومن آمن بهما صار مسلماً مؤمناً، ولم يبق يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً. انتهى.

قال الراغب في تفسيره: تقدم أن الإيمان يستعمل على وجهين: أحدهما الإقرار بالشهادتين، الذي يؤمن نفس الإنسان، وماله عن الإباحة إلا بحق، وذلك بعد استقرار هذا الدين مختص به كالإسلام. والثاني تحري اليقين فيما يتعاطاه الإنسان من أمر دينه. فقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عنى به المتدين بدين محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } عنى به المتحري للاعتقاد اليقينيّ، فهو غير الأول، ولما كانت مشاهير الأديان هذه الأربع، بيّن تعالى أن كل من تعاطى ديناً من هذه الأديان في وقت شرعه، وقبل أن ينسخ، فتحرى في ذلك الاعتقاد اليقينيّ، وأتبع اعتقاده بالأعمال الصالحة، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم قال: وقول ابن عباس: إن هذا منسوخ بقوله:وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران: 85] يعنون أن هذه الأديان كلها منسوخة بدين الإسلام، وأن الله عز وجل جعل لهم الأجر قبل وقت النبيّ عليه السلام. فأما في وقته، فالأديان كلها منسوخة بدينه. اهـ. أي: فليس مراد ابن عباس، ومن وافقه، أنه تعالى كان وعد من عمل صالحاً من اليهود، ومن ذكر معهم، على عمله، في الآخرة، الجنةَ، ثم نسخه بآية:وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران: 85] بل مراده ما ذكر الراغب. وهذا ما لا شبهة فيه. ولذا قال ابن جرير: ظاهر التنزيل يدل على أنه تعالى لم يخصص بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان بعض خلقه دون بعض منهم، والخبر بقوله: { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } عن جميع ما ذكر في أول الآية.

تنبيه

ظاهر هذه الآية، مع تفسير الراغب { مَنْ آمَنَ } بالمتحري للاعتقاد اليقينيّ، مما قد يستدل به العنبريّ لمذهبه.

السابقالتالي
2 3 4 5