الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قال ابن عباس: والمراد بـ " الذين آمنوا " هم الذين آمنوا قبل [مبعث] محمد بعيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع البراءة عن أباطيل اليهود مثل قَسّ بن سَاعِدة، وبحيرى الراهب، وحبيب النَّجَّار، وزيد بن عمرو بن نُفَيل، وَورقَة بن نَوْفَل وسلمان الفَارِسي، وأبو ذر الغفاري، وخَطَر بن مَالِك، ووَفْد النجاشي، فكأنه قال: إن الذين آمنوا قبل مبعث محمد، والذين كانوا على الأديان الباطلة كلّ من آمن منهم بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بالله واليوم الآخر ومحمد، فلهم أجرهم.

وقال سفيان الثوري: المراد من قوله: " الذين آمنوا " هم المنافقون؛ لأنهم يؤمنون باللِّسَان دون القَلْبِ، ثم اليهود والنصارى والصَّابئون، فكأنه قال: هؤلاء المُبطلون كل من آمن منهم بالإيمان الحقيقي، فلهم أجرهم.

وقال المتكلمون: المراد أنَّ الذين آمنوا بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحقيقة، وهو عائد إلى الماضي، ثم قوله: " من آمَنَ بالله " يقتضي المستقبل، فكأنه قال: إن الذين آمنوا في الماضي، وثبتوا عليه في المستقبل.

و " هَادُوا " في ألفه قولان:

أحدهما: أنه من واو، والأصل " هَادَ ـ يَهُود " أي: تاب؛ قال الشاعر [السريع]
549ـ................     إنِّي امْرُؤٌ مِنْ حُبِّهِ هَائِدُ
أي: تائب، منه سمي اليَهُود، لأنهم تابوا عن عبادة العِجْلِ، وقالوا:إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ } [الأعراف:156] أي: تُبْنَا ورجعنا.

[قاله] ابن عباس.

وقيل: هو من التهويد، وهو النطق في سكون ووَقَارٍ؛ وأنشدوا: [الطويل]
550ـ وَخُودٌ مِنَ اللاَّئِي تَسَمَّعْنَ بِالضُّحَى   قَرِيضَ الرُّدَافَى بِالغِنَاءِ المُهَوِّدِ
وقيل: من " الهَوَادَة " ، وهي الخضوع.

الثاني: أنها من ياء، والأصل: " هَادَ ـ يَهِيد " ، أي: تَحَرَّك، ومنه سمي اليهود؛ لتحركهم في دراستهم، قاله أبو عمرو بن العلاء.

وقيل: سموا يهوداً نسبة ليَهُوذَا ـ بالذال المعجمة ـ وهو ابن يَعْقُوب عليه الصلاة والسلام، فغيَّرته العرب بالدّال المهملة، جرياً على عادتها في التلاعب بالأسماء الأعجمية، فعرب ونسب الواحد إليه، فقيل يَهُودِيّ، ثم حذف الياء في الجمع، فقيل يَهُود.

وكل جمع منسوب إلى جنس، فهو بإسقاط ياء النسب؛ كقولهم في " زِنْجِيّ ": زَنْجٌ، وفي " رُومِيّ ": رُوم أيضاً. وهيادا: إذا دخل في اليهودية، وتهوَّد إذا [نسبه إليهم] وهوّد إذا دعا إلى اليهودية.

والنَّصَارى جمع واحده " نَصْرَان " ، و " نَصْرَانة " كـ: " نَدْمَان ونَدمانة ونَدَامَى " ، قاله سيبويه؛ وأنشد: [الطويل]
551ـ فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأْسُهَا   كَمَا أَسْجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ
وقال عليه الصلاة والسلام: " فأبواه يُهَوِّدَانِهِ ".

وقرأ أبو السمال ومجاهد: " هادَوْا " بفتح الدال، وإسكان الواو كأنهما من المفاعلة، والأصل: هادَيُوا فأعلّ كنظائره.

السابقالتالي
2 3 4