الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

قوله تعالى { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ }. أبهم جل وعلا في هذه الآية الكريمة هذا الذي يجعلونه لله ويكرهونه. لأنه عبر عنه بـ " ما " الموصولة، وهي اسم مبهم، وصلة الموصول لن تبين من وصف هذا المبهم إلا أنهم يكرهونه. ولكنه بين في مواضع أخر أنه البنات والشركاء وجعل المال الذي خلق لغيره، قال في البناتوَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } النحل57 ثم بين كراهيتهم لها في آيات كثيرة، كقولهوَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ } النحل 58 الآية. وقال في الشركاءوَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } الأنعام 100 الآية، ونحوها من الآيات. وبين كراهيتهم للشركاء في رزقهم بقولهضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الروم 28 أي إذا كان الواحد منكم لا يرضى أن يكون عبده المملوك شريكاً له مثل نفسه في جميع ما عنده. فكيف تجعلون الأوثان شركاء لله في عبادته التي هي حقه على عباده! وبين جعلهم بعض ما خلق الله من الرزق للأوثان في قولهوَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } الأنعام 136 - إلى قوله -سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } الأنعام 136 وقولهوَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } النحل 56 كما تقدم. قوله تعالى { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يقولون بألسنتهم الكذب. فيزعمون أن لهم الحسنى والحسنى تأنيث الأحسن، قيل المراد بها الذكور. كما تقدم في قولهوَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } النحل 57. والحق الذي لا شك فيه أن المراد بالحسنى هو زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقاً فسيكون لهم فيها أحسن نصيب كما كان لهم في الدنيا. ويدل على صحة هذا القول الأخير دليلان أحدهما - كثرة الآيات القرآنية المبينة لهذا المعنى. كقوله تعالى عن الكافروَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } فصلت 50، وقولهوَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } الكهف 36، وقولهوَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } مريم 77، وقولهوَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } سبأ 35. وقولهأَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } المؤمنون 55-56 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. والدليل الثاني - أن الله أتبع قوله { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } بقوله { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } الآية. فدل ذلك دلالة واضحة على ما ذكرنا، والعلم عند الله. والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } في محل نصب، بدل من قوله { ٱلْكَذِبَ } ومعنى وصف ألسنتهم الكذب قولها للكذب صريحاً لا خفاء به. وقال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالىوَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ }

السابقالتالي
2