قوله تعالى: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } قال الزجاج: المعنى: ولمن خاف مقام ربه جنتان ومن دونهما جنتان. قال المفسرون: من دونهما في الفضل والدرجات، وهذا كما روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " جنتان من ذهبٍ آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ". وقال الضحاك: الجنتان الأوليان من ذهب وفضة، والأخريان من ياقوت وزمرد، وهما أفضل من الأوليين. قوله تعالى: { مُدْهَآمَّتَانِ } قال ابن عباس وابن الزبير: [خضراوان] من الري، تَضربُ خضرتهما إلى سواد. يقال: ادْهَامَّ الزَّرْعُ، فهو مُدْهَامٌّ. { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } قال أبو عبيدة: فَوّارتان. قال ابن قتيبة: النَّضْخُ - يعني بالخاء المعجمة - أكثر من النَّضْح. قال ابن عباس: تَنْضَخُ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور. { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ } يعني: ألوان الفاكهة { وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }. قال الأزهري: العربُ تَذْكُرُ أشياء جملة، ثم تخصُّ شيئاً منها بالتسمية؛ تنبيهاً على فَضْلٍ فيه. قال الله تعالى:{ مَن كَانَ عَدُوّاً } [البقرة: 98] إلى قوله:{ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [البقرة: 98]، وقد أشرنا إلى هذا المعنى في البقرة. قال ابن عباس: نخل الجنة جذوعها زمردٌ أخضر، وكَرَبُها ذهب أحمر، وسعَفُها كسوة أهل الجنة، منها مقطّعاتهم وحُللهم. قوله تعالى: { فِيهِنَّ } أي: في الجنات الأربع { خَيْرَاتٌ } وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري وأبو نهيك: " خَيِّرات " بتشديد الياء على الأصل؛ لأن التخفيف فرع عليه، كهَيِّن ولَيِّن. وفي حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيرات الأخلاق، حسان الوجوه ". قوله تعالى: { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } قال المفسرون: قُصرن على أزواجهن فلا يُردن غيرهم. وقال ابن عباس والحسن وأبو العالية ومقاتل وأبو عبيدة: مقصورات: محبوسات في الحِجال. والعرب تقول: مَقْصُورَة وقَصِيرَة وقَصُورَة؛ إذا كانت ملازمة خدرها. قال كثيّر:
لعمري لقدْ حَبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ
إليَّ، وما تدري بذاكَ القَصَائِرُ
عَنَيْتُ قصيراتِ الحِجَالِ ولم أُرِدْ
قِصَارَ الخُطا، شَرُّ النِّسَاءِ البَحَاتِرُ
ويروى: كُلَّ قَصُورَةٍ، وقَصُورات. والبَحَاتِر: القِصَار. قال عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس: الخيام: دُرٌّ مجوّف. وقال ابن عباس: الخيمة: لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ [في أربعة فراسخ]، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب. وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للمؤمن لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، لا يرى بعضهم بعضاً ". ويروى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مررتُ ليلة أسري بي بنهر حافَّتَاه قباب المرجان، فنوديت منه: السلام عليك يا رسول الله، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جواري من الحور العين استأذنَّ ربَّهنَّ أن يُسَلِّمْنَ عليك، فأذِنَ لهنَّ فقلن: نحن الخالدات فلا نموتُ، ونحن الناعمات فلا نبأس، أزواجُ رجالٍ كرام، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } قال: محبوسات ".