الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } غلّ اليد كناية عن الامساك والبخل وبسطها كناية عن الجود. اعلم، انّ لليهود مذاهب مختلفة وعقائد متشتتة وآراء مبتدعة فمنها اعتقادهم انّ الله جسم وانّه خلق السّماوات والارض وما فيها من المواليد فى ستّة ايّام، وآخر المخلوقات فى اليوم الآخر كان آدم (ع) وخلق له من ضلعه الايسر حوّاء واسكنه جنّة خلق له فى عدن ومنعه من اكل شجرة، واكلت حوّاء باغواء الشّيطان والحيّة من تلك الشّجرة وحملت آدم (ع) على الاكل وانّ الله ندم من خلق آدم (ع) وبنى آدم، وانّ الله فرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السّبت وهو مستريح فارغ من الامر، فنقل تعالى قولهم الباطل وردّ عليهم ودعا عليهم بقوله { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } واليد كما سبق فى امثالها غير مختصّةٍ بالعضو المخصوص الّذى لذوى الحيوة الحيوانيّة، بل هى اسم لمعنى عامّ له مصاديق كثيرة ومترتّبة بعضها فوق بعضٍ، وهو معنىً ما به التّصرف بالحركة فى الجذب والدّفع والدّخل والخرج، وما به القدرة فى الانفاق والامساك والايجاد والاعدام وغير ذلك من لوازم التّصرّف، وهى فى الحيوان آلة مخصوصة مركّبة من اجسام مختلفة، وفى الانسان الملكىّ آلة اخرى وفى الانسان الملكوتىّ ايضاً آلة محسوسة غير ما للانسان الملكىّ، وفى الجبروتّى ليست آلة محسوسة بل امر معقول مجرّد عن المادّة ولوازم المادّة وعن التّقدّر والتّشكّل، والحقّ تعالى شأنه لمّا كان احدىّ الذّات لا كثرة لذاته بوجه من وجوه الكثرة ولا تركيب فيه بوجه من وجوه التّركيب، بل انيّته وجود صرف محيط بكلّ الكثرات بحيث لا يشذّ عن وجوده شيءٌ منها والا كان محدوداً مركبّاً، فهو بذاته الاحديّة مصداق لجميع الاسماء والصّفات المتقابلة بحيث لا يلزم منه تكثير ولا تركيب ولا تحديد، فانّ من حدّه بشيء فقد عدّه واثبت له ثانياً، ومن عدّه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّاه، ومن جزّاه فقد جهله، فمن وجوب وجوده يستدل على عدم تركّبه، ومنه على عدم تحدّده، ومنه على احاطته فهو بكلّ شيءٍ محيط. وهذا اتم البراهين الّتى اقامها الحكماء على احاطته بل هو اصل للكلّ والكلّ راجعٌ اليه فهو باحديّته مصداق الصّفات الحقيقيّة المحضة ومصداق الصّفات الحقيقيّة ذات الاضافة، ومصداق الاضافات والسّلوب تماماً فهو الحىّ العليم السّميع البصير المدرك القادر المريد المتكلّم الرّحمن الرّحيم الخالق الرّازق المبدء المعيد المتصرّف الهادى المفضل المضلّ المنتقم السّبّوح القدّوس، لكن هذه الاسماء غير ظاهرة فى مرتبته الاحديّة فانّها الغيب الّذى لا اسم له ولا رسم ولا خبر عنه ولا اثر بل هى ظاهرة فى مقام المعروفيّة المسمّاة بنفس الرّحمن والحقيقة المحمديّة والاضافة الاشراقيّة وعرش الرّحمن والولاية المطلقة والمشيّة والحقّ المخلوق به وغير ذلك من اسمائها، سوى الف الف اسم الله تعالى شأنه هى مصداقها فى مقام الظّهور وهى باعتبار نفسها من غير اعتبار حيثيّته وحيثيّة يد الله وباعتبار وجهها الى الله ووجهها الى الخلق، وباعتبار انضيافها الى الملكوت العليا والسّفلى، وباعتبار ظهور اللّطف والقهر فيها يدان لله وكلتا يديه يمين وباسط اليدين بالرّحمة فى هذا المقام، وباعتبار انضيافها الى المهيّات والاعيان الثّابتات تظهر فيها الاسماء المتقابلات من اللّطيف والقاهر والرّحيم والمنتقم ولكلّ صنف من اسمائه تعالى عالم هو محلّ ظهور فعالم الارواح والاشباح النّوريّة الّتى هى عالم المثال والفلكيّات تماماً مظاهر اسمائه اللّطيفة.

السابقالتالي
2 3