الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } نزلت في وفد نصارى نجران ـ قاله السدي والحسن وابن زيد ومحمد بن جعفر بن الزبير ـ وروي عن قتادة والربيع وابن جريج أنها نزلت في يهود المدينة، وذهب أبو علي الجبائي أنها نزلت في الفريقين من أهل الكتاب، واستظهره بعض المحققين لعمومه { تَعَالَوْاْ } أي هلموا { إِلَىٰ كَلِمَةٍ } أي كلام ـ كما قال الزجاج ـ وإطلاقها على ذلك في كلامهم من باب المجاز المرسل وعلاقته تجوز إطلاقها على المركب الناقص إلا أنه لم يوجد بالاستقراء، وقيل: إنه من باب الاستعارة وليس بالبعيد ـ وقرىء ـ { كَلِمَةَ } بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل { سَوَآء } أي عدل ـ قاله ابن عباس والربيع وقتادة ـ وقيل: إن سواء مصدر بمعنى مستوية أي لا يختلف فيها التوراة والإنجيل والقرآن، أو لا اختلاف فيها بكل الشرائع، وهو في قراءة الجمهور مجرور على أنه نعت ـ لكلمة ـ وقرىء بنصبه على المصدر.

{ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } متعلق بسواء { أَلاَّ نَعْبُدَ } أي نحن وأنتم { إِلاَّ ٱللَّهَ } بأن نوحده بالعبادة ونخلص فيها، وفي موضع (أن) وما بعدها وجهان ـ كما قال أبو البقاء ـ الأول: الجر على البدلية من { كَلِمَةٍ } ، والثاني: الرفع على الخبرية لمحذوف أي هي أن لا نعبد إلا الله، ولولا عمل (أن) لجاز أن تكون تفسيرية، وقيل: إن الكلام تم على { سَوَآءٍ } ثم استؤنف فقيل: { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ } ، فالظرف خبر مقدم، و (أن) وما بعدها مبتدأ مؤخر { وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } من الأشياء على معنى لا نجعل غيره شريكاً له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً لأن يعبد، وبهذا المعنى يكون الكلام تأسيساً والظاهر أنه تأكيد لما قبله إلا أن التأسيس أكثر فائدة، وقيل: المراد لا نشرك به شيئاً من الشرك وهو بعيد جداً.

{ وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } أي لا يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله تعالى ـ قاله ابن جريج ـ ويؤيده ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث عدي بن حاتم " أنه لما نزلت هذه الآية قال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: أما كانوا يحللون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم فقال عليه الصلاة والسلام: هو ذاك " قيل: وإلى هذا أشار سبحانه بقوله عز من قائل:ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } [التوبة: 31] وعن عكرمة أن هذا الاتخاذ هو سجود بعضهم لبعض، وقيل: هو مثل اعتقاد اليهود في عزير أنه ابن الله، واعتقاد النصارى في المسيح نحو ذلك، وضمير ـ نا ـ على كل تقدير للناس لا للممكن ـ وإن أمكن ـ حتى يشمل الأصنام لأن أهل الكتاب لم يعبدوها.

السابقالتالي
2