الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

فيه خمس مسائل: الأُولىٰ ـ قال مجاهد وغيره: المراد بهذه الآية من تقدّم ذكره ممن أراد التّحاكم إلى الطاغوت وفيهم نزلت. وقال الطّبرِيّ: قوله: { فَلاَ } ردٌّ على ما تقدّم ذكره، تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم بقوله: { وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ }. وقال غيره: إنما قدّم «لا» على القسم اهتماماً بالنفي وإظهاراً لقوّته، ثم كرره بعد القسم تأكيداً للتهمّم بالنفي، وكان يصح إسقاط «لا» الثانية ويبقى أكثر الاهتمام بتقديم الأُولى. وكان يصح إسقاط الأُولى ويبقى معنى النفي ويذهب معنى الاهتمام. و { شَجَرَ } معناه اختلف واختلط ومنه الشجر لاختلاف أغصانه. ويُقال لعِصيّ الهَوْدَج: شِجار لتداخل بعضها في بعض. قال الشاعر:
نفسي فداؤك والرّماح شَوَاجِر   والقوم ضُنك لِلقاءِ قيام
وقـال طرفــة:
وهُمُ الحكام أربابُ الهدى   وسعاة الناس في الأمر الشّجِر
وقالت طائفة: نزلت في الزُّبير مع الأنصاريّ، وكانت الخصومة في سَقْي بستان " فقال عليه السَّلام للزبير: «ٱسقِ أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك». فقال الخصم: أراك تحابِي ٱبن عمتك فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للزّبير: «ٱسق ثم ٱحبس الماء حتى يبلغ الجَدْر » " ونزل: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ }. الحديث ثابت صحيح رواه البخاريّ عن عليّ بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن مَعْمَر، ورواه مسلم عن قُتَيبة كلاهما عن الزهريّ. واختلف أهل هذا القول في الرجل الأنصاري فقال بعضهم: هو رجل من الأنصار من أهل بدر. وقال مكي والنحاس: هو حاطب بن أبي بَلْتَعة. وقال الثعلبيّ والواحديّ والمهدوِيّ: هو حاطِب. وقيل: ثعلبة بن حاطب. وقيل غيره: والصحيح القول الأوّل لأنه غير معيّن ولا مُسمّىٰ وكذا في البخاريّ ومسلم أنه رجل من الأنصار. واختار الطّبريّ أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي. كما قال مجاهد ثم تتناول بعمومها قصّة الزّبير. قال ٱبن العربي: وهو الصحيح فكل من ٱتّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاريّ زلّ زلّة فأعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فَلْتَة وليست لأحد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم. وكل من لم يرض بحكم الحاكم وطعن فيه وردّه فهي رِدّة يُستتاب. وأما إن طعن في الحاكم نفسه لا في الحكم فله تعزيره وله أن يصفح عنه. وسيأتي بيان هذا في آخر سورة «الأعراف» إن شاء الله تعالىٰ. الثانية ـ وإذا كان سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من الحديث ففِقْهُها أنه عليه السَّلام سلك مع الزّبير وخصمه مَسلك الصَّلح فقال: " ٱسقْ يا زُبير " لقربه من الماء

السابقالتالي
2 3