الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

إذن لا بد أن نستقبل الإيمان بالإقبال على كل ما جاء به رسول الله، فساعة حكّم المنافقون غيره برغم إعلانهم للإسلام جاء الحكم بخروجهم من دائرة الإيمان، وعلى المؤمنين أن يتعظوا بذلك. ونلحظ في قوله الحق: { فَلاَ وَرَبِّكَ.. } [النساء: 65] وجود " لا " نافية، وأنه - سبحانه - أقسم بقوله: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ.. } [النساء: 65] ونعلم أن المنافقين قد ذهبوا فحكَّموا غير رسول الله، مع أنهم شاهدون بأنه رسول الله فكيف يشهدون أنه رسول الله، ثم يحكمون غيره ولا يرضون بقضائه؟ وتلك قضية يحكم الحق فيها فيقول: لا، هذه لا تكون أبداً. إذن فـ " لا " النافية جاءت هنا لتنفي إيمانهم وشهادتهم أنه رسول الله لأنهم حكَّموا غيره. فإذا ثبت أنهم شهدوا أنه رسول الله ثم ذهبوا لغيره ليقضي بينهم إذا حدث هذا. فحكمنا في القضية هو: لا يكون لهم أبداً شرف شهادة أنه رسول الله. وبعد ذلك أقسم الحق فقال: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.. } [النساء: 65] ونحن الخلق لا نقسم إلا بالله، لكنه سبحانه له أن يقسم بما شاء على ما يشاء، يقسم بالمادة الجبلية:وَٱلطُّورِ } [الطور: 1]. ويقسم بالذاريات:وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } [الذاريات: 1]. والذاريات هي الرياح، ويقسم بالنبات:وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } [التين: 1]. ويقسم بالملائكة:وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } [الصافات: 1]. ولكنك إن نظرت إلى الإنس فلن تجده أقسم بأحد من سيد هذا الكون وهو الإنسان إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقسم بحياته فقال:لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الحجر: 72]. ولَعَمْرُكَ.. } [الحجر: 72] يعني: وحياتك يا محمد إنهم في سكرتهم يعمهون، أي هم في غوايتهم وضلالهم يتحيرون فلا يهتدون إلى الحق، وأقسم الله بعد ذلك بنفسه، فقال:فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ.. } [الذاريات: 23]. وساعة يقول:فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ.. } [الذاريات: 23] فلا بد أن يأتي بربويته لخلق عظيم نراه نحن، ولذلك قال:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ.. } [غافر: 57]. يعني إذا فكرت أيها الإنسان في خلق السماوات والأرض لوجدته أكبر من خلق الناس. وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.. } [النساء: 65] وهذا تكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل على أن محمداً عليه الصلاة والسلام ذو منزلة عالية، إياكم أن تظنوا أنه حين قال:لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ.. } [غافر: 57] أن محمداً قد دخل في الناس، إنّه سبحانه يوضح: لا، سأقسم به كما أقسمت بالسماء والأرض،فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ.. } [الحجر: 92]، ولماذا يقسم برب السماء والأرض لأن الربّ له قدرة عظيمة هائلة، فهو يخلق ويربي، ويتعهد ويؤدب.

السابقالتالي
2 3 4