ثم يقال لهم توبيخاً وتقريعاً ومبالغة في إعلامهم: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ }. قوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ } وذلك عند إنكارهم الشرك [وتكذيبهم] الرسل صلوات الله عليهم أجمعين، وقولهم:{ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]. { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ } أخرج الإمام أحمد من حديث [حكيم بن] معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تجيؤون يوم القيامة على أفواهكم الفِدام، وإن أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه ". وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لأعضائه: انطقي، فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بُعْداً لكُنّ وسُحْقاً وفيكن كنت أناضل ". فإن قيل: لم سمي ما صدر من اليد كلاماً ومن الرجل شهادة؟ قلتُ: لأن اليد مباشرة والرِّجل حاضرة، وقول الإنسان على نفسه إقرار وعلى غيره شهادة. قوله تعالى: { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } أي: لو نشاء لأذهبنا أعينهم وعفنا أثرها. { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ } أي: استبقوا إلى الصراط، أو يقال: ساغ ذلك؛ لتضمن " استبقوا " [ابتدروا]. قال قتادة: المعنى: لو نشاء لأعمينا أبصار الكفار فضلُّوا عن الطريق فلا يبصرون عقوبة لهم. وقال ابن عباس ومقاتل: المعنى: لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم وأعميناهم عن غيهم، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فاهتدوا وأبصروا رشدهم. { فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } ولم يفعل بهم ذلك. { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } والمكانة والمكان واحد. وقرأ أبو بكر: " مكاناتهم " على الجمع. قال ابن عباس: لمسخناهم قردة وخنازير. وقيل: حجارة. وقال قتادة: لأقعدناهم على أرجلهم وأزمنّاهم. { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً } وقرئ: " مِضِياً " ، مثل: الغُنى والغِنى. { وَلاَ يَرْجِعُونَ } إلى ما كانوا عليه. وقال أبو صالح: ما استطاعوا مضياً في الدنيا ولا رجوعاً فيها.