الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً }

لما ذكر الله تعالى المنافقين والكفار الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حذر المؤمنين من التعرّض للإيذاء، ونهاهم عن التشبّه ببني إسرائيل في أذِيَّتهم نبيّهم موسى. واختلف الناس فيما أوذي به محمد صلى الله عليه وسلم وموسى، فحكى النقاش أن أذِيّتهم محمداً عليه السلام قولهم: زيد بن محمد. وقال أبو وائل: " أذِيته أنه صلى الله عليه وسلم قَسم قَسْماً فقال رجل من الأنصار: إن هذه القِسمة ما أريد بها وجه الله، فذكر ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: «رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» " وأما أذِيّة موسى صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس وجماعة: هي ما تضمّنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قال: " كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستّر كثيراً ويخفي بدنه فقال قوم هو آدر وأبرص أو به آفة، فانطلق ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشام وجعل ثيابه على صخرة ففرّ الحجر بثيابه واتبعه موسى عرياناً يقول ثَوْبِي حَجَرُ ثوبي حَجَرُ حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فنظروا إليه وهو من أحسنهم خَلْقاً وأعدلهم صورة وليس به الذي قالوا فهو قوله تبارك وتعالى: { فبرأهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } " أخرجه البخاريّ ومسلم بمعناه. ولفظ مسلم: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سَوْءَةِ بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه قال فجمح موسى عليه السلام بإثره يقول ثَوْبي حَجَرُ ثوبي حَجَرُ حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سَوْءة موسى وقالوا والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نُظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفِق بالحجر ضرْباً " قال أبو هريرة: والله إنه بالحجر نَدَبٌ ستةٌ أو سبعةٌ ضَرْبُ موسى بالحجر. فهذا قول. وروي عن ابن عباس عن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: آذوْا موسى بأن قالوا: قتل هارون وذلك أن موسى وهارون خرجا من فَحْص التِّيه إلى جبل فمات هارون فيه، فجاء موسى فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، وكان ألين لنا منك وأشدّ حُبًّا. فآذوْه بذلك فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى طافوا به في بني إسرائيل، ورأوا آية عظيمة دلّتهم على صدق موسى، ولم يكن فيه أثر القتل. وقد قيل: إن الملائكة تكلّمت بموته ولم يعرف موضع قبره إلا الرَّخَم، وأنه تعالى جعله أصم أبكم.

السابقالتالي
2